الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن قال لآخر أمرتك ببيع عبدي بنقد فبعته بنسيئة وقال المأمور أمرتني ببيعه ولم تقل شيئا فالقول قول الآمر ) ; لأن الآمر يستفاد من جهته ولا دلالة على الإطلاق . قال ( وإن اختلف في ذلك المضارب ورب المال فالقول قول المضارب ) [ ص: 93 ] لأن الأصل في المضاربة العموم ، ألا ترى أنه يملك التصرف بذكر لفظ المضاربة فقامت دلالة الإطلاق ، بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع والمضارب في نوع آخر حيث يكون القول لرب المال ; لأنه سقط الإطلاق بتصادقهما فنزل إلى الوكالة المحضة ثم مطلق الأمر بالبيع ينتظمه نقدا ونسيئة إلى أي أجل كان عند أبي حنيفة ، وعندهما يتقيد بأجل متعارف والوجه قد تقدم .

التالي السابق


( قال ) أي قال محمد في الجامع الصغير ( ومن قال لأخر أمرتك ببيع عبدي بنقد فبعته بنسيئة وقال المأمور أمرتني ببيعه ولم تقل شيئا فالقول قول الآمر ) يعني إذا اختلف الآمر والمأمور في إطلاق التصرف وتقييده فقال الآمر أمرتك ببيع عبدي بنقد فبعته بنسيئة وقال المأمور بل أمرتني ببيعه ولم تقل شيئا زائدا عليه فالقول قول الآمر ( لأن الأمر يستفاد من جهته ) أي من جهة الآمر ، ومن يستفاد الأمر من جهته فهو أعلم بما قاله فكان هو المعتبر ، إلا إذا كان في العقد ما يخالف مدعاه وليس بموجود ، وقد أشار إليه بقوله ( ولا دلالة على الإطلاق ) إذ الأمر بالبيع قد يكون مقيدا وقد يكون مطلقا ولا دليل على أحد الوجهين .

على أن الأصل في عقد الوكالة التقييد ; لأن مبناه على التقييد حيث لا يثبت بدون ذلك ، فإنه ما لم يقل وكلتك ببيع هذا الشيء لا يكون وكيلا ببيعه ; ألا يرى أنه لو قال لغيره وكلتك بمالي أو في مالي لا يملك إلا الحفظ وكان مدعيا لما هو الأصل فيه فكان القول قوله ( قال ) أي محمد في الجامع الصغير ( وإن اختلف في ذلك ) أي في الإطلاق والتقييد ( المضارب ورب المال ) فقال رب المال أمرتك بالنقد وقال المضارب بل دفعت مضاربة ولم تعين شيئا ( فالقول قول المضارب ) قال صاحب العناية في تصوير الاختلاف هاهنا : فقال رب المال أمرتك أن تعمل في البز وقال [ ص: 93 ] المضارب دفعت إلي المال مضاربة ولم تقل شيئا . أقول : هذا التصوير لا يطابق المشروح وهي مسألة الجامع الصغير . فإن صورتها هكذا : محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل دفع إلى رجل مالا مضاربة فاختلفا فقال رب المال : أمرتك أن تبيعه بالنقد دون ما سواه ، وقال المضارب أعطيتني المال مضاربة ولم تقل شيئا . قال القول قول المضارب الذي أخذ المال . انتهى لفظ محمد .

قال المصنف في تعليل هذه المسألة ( لأن الأصل في المضاربة العموم ) يعني أن الأمر وإن كان مستفادا من جهة رب المال إلا أن في العقد ما يخالف دعواه بناء على أن الأصل في المضاربة العموم والإطلاق ( ألا ترى أنه ) أي المضارب ( يملك التصرف بذكر لفظ المضاربة ) يعني أن المضاربة تصح عند الإطلاق ويثبت الإذن عاما ( فقامت دلالة الإطلاق ) أي فقامت الدلالة على الإطلاق ، فمن ادعى الإطلاق في المضاربة كان مدعيا لما هو الأصل فيها ، فكان القول قوله ( بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع ) أي في نوع مسمى ( والمضارب في نوع آخر ) أي وادعى المضارب المضاربة في نوع آخر ( حيث يكون القول لرب المال ; لأنه سقط الإطلاق فيه بتصادقهما فنزل ) أي عقد المضاربة ( إلى الوكالة المحضة ) وفيها القول للآمر كما مر آنفا ( ثم مطلق الأمر بالبيع ) في صورة الوكالة ( ينتظمه ) أي ينتظم البيع ( نقدا ونسيئة إلى أي أجل كان ) متعارف عند التجار في تلك السلعة أو غير متعارف فيها ( عند أبي حنيفة . وعندهما يتقيد بأجل متعارف ) حتى لو باع بأجل غير متعارف عند التجار بأن باع إلى خمسين سنة جاز عنده خلافا لهما ( والوجه قد تقدم ) أي الوجه من الجانبين قد تقدم في مسألة الوكيل بالبيع ، فإن أبا حنيفة عمل بالإطلاق وهما بالمتعارف .

قال صاحب الغاية : وكان الأنسب أن يذكر مسألة النسيئة في أوائل الفصل عند قوله والوكيل بالبيع يجوز بيعه بالقليل والكثير كما أشار إلى ذلك الموضع بقوله والوجه قد تقدم




الخدمات العلمية