الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن أقر بتمر في قوصرة لزمه التمر والقوصرة ) وفسره في الأصل بقوله : غصبت تمرا في قوصرة . ووجهه أن القوصرة وعاء له وظرف له ، وغصب الشيء وهو مظروف لا يتحقق بدون الظرف فيلزمانه وكذا الطعام في السفينة والحنطة في الجوالق ، [ ص: 341 ] بخلاف ما إذا قال : غصبت تمرا من قوصرة لأن كلمة من للانتزاع فيكون الإقرار بغصب المنزوع .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( ومن أقر بتمر في قوصرة لزمه التمر والقوصرة ) القوصرة بالتخفيف والتشديد : وعاء التمر يتخذ من قصب ، وقولهم إنما تسمى بذلك ما دام فيها التمر ، وإلا فهي زنبيل مبني على عرفهم ، كذا في المغرب . قال صاحب الجمهرة : أما القوصرة فأحسبها دخيلا . وقد روي :

أفلح من كانت له قوصره يأكل منها كل يوم مره



ثم قال : ولا أدري ما صحة هذا البيت ، كذا في غاية البيان

قال المصنف ( وفسره في الأصل ) أي فسر الإقرار بتمر في قوصرة في الأصل وهو المبسوط ( بقوله ) أي بقول المقر ( غصبت تمرا في قوصرة . ووجهه ) أي وجه جواب هذه المسألة وهو لزوم التمر والقوصرة جميعا ( أن القوصرة وعاء له ) أي للتمر ( وظرف له ) أي للتمر ( وغصب الشيء وهو مظروف ) أي والحال أنه مظروف ( لا يتحقق بدون الظرف فيلزمانه ) أي فيلزم التمر والقوصرة المقر ( وكذا الطعام في السفينة ) أي وكذا الحكم فيما إذا قال غصبت الطعام في السفينة ( والحنطة في الجوالق ) أي وفيما إذا قال غصبت الحنطة في الجوالق ، والجوالق بالفتح جمع جوالق [ ص: 341 ] بالضم ، والجواليق بزيادة الياء تسامح ، كذا في المغرب .

والأصل في جنس هذه المسائل أن ما كان الثاني ظرفا للأول ووعاء له لزماه نحو ثوب في منديل وطعام في سفينة وحنطة في جوالق ، وما كان للثاني مما لا يكون وعاء للأول نحو قولك : غصبت درهما في درهم لم يلزم الثاني لأنه غير صالح لأن يكون ظرفا لما أقر بغصبه أولا فلغا آخر كلامه ، كذا في المبسوط وذكر في الشروح .أقول : يرد على هذا الأصل النقض بما إذا أقر بدابة في إصطبل فإن اللازم على المقر هناك هو الدابة خاصة عند أبي حنيفة وأبي يوسف كما سيأتي مع أنه لا ريب في أن الثاني فيه صالح لأن يكون ظرفا للأول . ويمكن أن يقال : إن ذلك من باب التخلف لمانع ، وقيد عدم المانع في الأحكام الكلية غير لازم كما صرحوا به في مواضع منها أول كتاب الوكالة ( بخلاف ما إذا قال غصبت تمرا من قوصرة ) يعني أن الحكم المذكور في كلمة في وأما الحكم في كلمة من فبخلافه ( لأن كلمة من للانتزاع فيكون إقرارا بغصب المنزوع ) يعني أن كلمة من لابتداء الغاية فيكون إقرارا بأن مبدأ الغصب من القوصرة وإنما يفهم منه الانتزاع ، كذا في الكفاية ومعراج الدراية أخذا من الكافي . وقال في النهاية لأن كلمة من للتبعيض ، فإنما يفهم منه الانتزاع انتهى . وقال في غاية البيان : ووجهه أن كلمة من تستعمل للتبعيض والتمييز فيكون الانتزاع لازمهما ، لا أن معناه أن من موضوعة للانتزاع انتهى .

أقول : الحق في توجيه كلام المصنف هاهنا ما ذهبت إليه الفرقة الأولى لا ما ذهبت إليه الفرقة الأخرى ; لأن كلمة من في قول القائل : غصبت تمرا من قوصرة لا تحتمل معنى التبعيض ، إذ لا يصح أن يكون التمر بعض القوصرة فكيف يفهم الانتزاع من التبعيض في ذلك القول . وأما انفهام الانتزاع من التبعيض عند استعمال كلمة من في معنى التبعيض في موضع آخر فلا يجدي شيئا هاهنا كما لا يخفى على ذي فطرة سليمة ، بخلاف معنى الابتداء فإن كلمة من في ذلك القول تحتمل الابتداء قطعا فيتم التقريب جدا . وأما الحكم في كلمة على نحو أن يقول غصبت إكافا على حمار فكان إقرارا بغصب الإكاف خاصة ، والحمار مذكور لبيان محل المغصوب حين أخذه ، وغصب الشيء من محل لا يكون مقتضيا غصب المحل ، كذا في المبسوط وذكر في كثير من الشروح .




الخدمات العلمية