الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل في التنازع بالأيدي )

قال ( وإذا تنازعا في دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى ) لأن تصرفه أظهر فإنه يختص بالملك ( وكذلك إذا كان أحدهما راكبا في السرج والآخر رديفه فالراكب أولى ) [ ص: 281 ] بخلاف ما إذا كانا راكبين حيث تكون بينهما لاستوائهما في التصرف ( وكذا إذا تنازعا في بعير وعليه حمل لأحدهما فصاحب الحمل أولى ) لأنه هو المتصرف ( وكذا إذا تنازعا في قميص أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى ) لأنه أظهرهما تصرفا ( ولو تنازعا في بساط أحدهما جالس عليه والآخر متعلق به فهو بينهما ) معناه لا على طريق القضاء لأن القعود ليس بيد عليه فاستويا .

التالي السابق


( فصل في التنازع بالأيدي )

لما فرغ عن بيان وقوع الملك بالبينة شرع في بيان وقوعه بظاهر اليد في هذا الفصل لما أن الأول أقوى ، ولهذا إذا قامت البينة لا يلتفت إلى اليد ( قال ) أي القدوري في مختصره ( وإذا تنازعا ) أي تنازع اثنان ( في دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى لأن تصرفه ) أي تصرف الراكب ( أظهر ، فإنه ) أي الركوب ( يختص بالملك ) يعني غالبا .

قال الإمام الزيلعي في شرح الكنز : بخلاف ما إذا أقاما البينة حيث تكون بينة الخارج أولى لأنها حجة مطلقة ، وبينة الخارج أكثر إثباتا على ما بيناه . وأما التعلق فليس بحجة ، وكذا التصرف ، لكنه يستدل التمكن من التصرف على أنه كان في يده واليد دليل الملك حتى جازت الشهادة له بالملك فيترك في يده حتى تقوم الحجج والتراجيح انتهى ( وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج والآخر رديفه فالراكب ) أي في السرج ( أولى ) لأن العادة جرت بأن الملاك يركبون في السرج وغيرهم يكون رديفا ، كذا في الكافي وغيره . واعلم أن ما ذكر في الكتاب من أن كون الراكب في السرج أولى من رديفه على رواية نقلها الناطفي في الأجناس [ ص: 281 ] عن نوادر المعلى . وأما في ظاهر الرواية فالدابة بينهما نصفان ، كذا في غاية البيان والعناية ( بخلاف ما إذا كانا راكبين ) يعني في السرج ( حيث تكون ) أي الدابة ( بينهما ) قولا واحدا ( لاستوائهما في التصرف ) أما إذا كان أحدهما ممسكا بلجام الدابة والآخر متعلقا بذنبها . قال مشايخنا : ينبغي أن يقضي للذي هو ممسك بلجامها لأنه لا يتعلق باللجام غالبا إلا المالك ، أما الذنب فإنه كما يتعلق به المالك يتعلق به غيره ، كذا في النهاية وغيرها نقلا عن الذخيرة ( وكذا إذا تنازعا في بعير وعليه حمل لأحدهما ولآخر كوز متعلق فصاحب الحمل أولى لأنه هو المتصرف ) فهو ذو اليد ( وكذا إذا تنازعا في قميص أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى لأنه أظهرهما تصرفا ) ولهذا يصير به غاصبا ، كذا في الشروح ( ولو تنازعا في بساط أحدهما جالس عليه والآخر متعلق به فهو بينهما ) كذا لو كانا جالسين عليه وادعياه فهو بينهما ، كذا في الشروح . قال المصنف ( معناه لا على طريق القضاء ) أي معنى قوله فهو بينهما أنه بينهما لا على طريق القضاء ، وعلل المسألة بقوله : ( لأن القعود ليس بيد عليه ) أي على البساط حتى لا يصير غاصبا به ( فاستويا ) أي فاستويا المتنازعان فيه فيجعل في أيديهما لعدم المنازع لهما . هذا وقال صاحب النهاية في حل هذا المقام : لأن اليد على البساط لا تثبت إلا بإحدى الطريقتين ; إما بإثبات اليد عليه حسا بالنقل والتحويل ، وإما بكونه في يده حكما بأن كان في بيته ولم يوجد شيء من ذلك في البساط فإنا نراه موضوعا على قارعة الطريق لما علم أنه ليس في يد غيرهما ولا في يدهما وهما مدعيان يقضي بينهما لاستوائهما في الدعوى انتهى .

أقول : يرد عليه أن هذا الشرح لا يطابق المشروح ; لأن المصنف قال : معناه لا على طريق قضاء وهو يقول يقضي بينهما فبينهما تدافع ظاهر . فإن قلت : يجوز أن يكون مراد المصنف لا على طريق القضاء والاستحقاق ، ومراد الشارح يقضي بينهما قضاء الترك فلا تدافع بينهما .

قلت : لا مجال لأن يكون المراد بالقضاء بينهما هاهنا قضاء الترك أيضا ، إذا لا بد في قضاء الترك من أن يعرف كون المدعي في يد المدعي كما يفصح عنه ما ذكره صاحب العناية أيضا هناك وصاحب النهاية نقلا عن الذخيرة فيما سيجيء في مسألة التنازع في الحائط حيث قال : ومعنى القضاء بينهما أنه إذا عرف كونه في أيديهما قضي بينهما قضاء ترك ، فإن لم يعرف كونه في أيديهما وقد ادعى كل واحد منهما أنه ملكه وفي يديه يجعل في أيديهما معا لأنه لا منازع لهما لا أنه يقضي بينهما انتهى . فإنه يظهر منه الفرق بين قضاء الترك بينهما وبين الجعل في أيديهما من جهة أن الأول فيما عرف كون المدعي في أيديهما والثاني فيما لم يعرف ذلك [ ص: 282 ] وفيما نحن فيه لم تتحقق يد لواحد من المدعيين على ما تقرر آنفا فلم يعرف كون المدعي في أيديهما فلم يتصور القضاء بينهما قضاء الترك أيضا فلم يتيسر التوفيق المذكور ، فكأن صاحب العناية تنبه لهذا فقال : لأن اليد على البساط إما بالنقل والتحويل أو بكونه في بيته ، والجلوس عليه ليس بشيء من ذلك فلا يكون يدا عليه فليس بأيديهما ولا في يد غيرهما وهما يدعيانه على السواء فيترك في أيديهما انتهى .

حيث ترك ذكر القضاء بينهما وذكر الترك في أيديهما ، لكن هذا أيضا لا يخلو عن قصور ، لأن استعمال الترك في اليد يقتضي سبق تحقق اليد ، وهاهنا ليس كذلك كما تبين ، فحق الكلام في هذا المقام أن يقال فيجعل في أيديهما : أي يوضع فيها لعدم المنازع لهما كما ذكرته فيما قبل لأنه حينئذ يطابق الشرح المشروح ، ويطابق المقام ما يظهر مما سيجيء في مسألة التنازع عن الحائط من الفرق بين محل القضاء بينهما قضاء ترك وبين محل الجعل في أيديهما بلا قضاء .

وأيضا لا تبقى الحاجة حينئذ إلى ما ذكره صاحبا النهاية والعناية وغيرهما من الفرق بين مسألتنا هذه وبين مسألة الدار إذا تنازعا فيها وكانا قاعدين فيها حيث لا يقضي بها بينهما ولا إلى ما ارتكبوا في وجه الفرق بينهما من التكليف على ما لا يخفى على الفطن الناظر في كلامهم إذ يظهر حينئذ أن حكم كل واحدة من هاتين المسألتين أن لا يقضي بين المدعيين بالمدعي بناء على أن ليس لأحد منهما يد عليه حتى تصير دليل الملك وسبب القضاء ، بل أن يجعل المدعى في أيديهما بلا قضاء لعدم المنازع لهما واستوائهما في الدعوى فتدبر




الخدمات العلمية