الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 16 ] 549 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مقدار صدقة الفطر من البر ومن ما سواه

3389 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو النعمان عارم محمد بن الفضل السدوسي ، قال : حدثنا حماد بن زيد .

3390 -
وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر ، عن كل صغير وكبير ، حر وعبد ، صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، قال : فعدله الناس بمدين من حنطة .

3391 - وحدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عمر الضرير ، قال : [ ص: 17 ] أخبرنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا أيوب ، عن نافع مولى عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من تمر ، أو شعير . قال ابن عمر : فجاء الناس بنصف صاع من بر ، أو قال : فعدل الناس نصف صاع من بر بصاع من شعير ، فجاؤوا به فقبل منهم .

قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث عن ابن عمر قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر إلى هذين الجنسين المذكورين في هذا الحديث دون ما سواهما من الأجناس ، وتعديل الناس بعده ذلك بمدين من حنطة ، وقد روي عن عبد الله بن شوذب عن أيوب هذا الحديث ، بزيادة جنس آخر سوى هذين الجنسين مع هذين الجنسين .

3392 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن ابن شوذب ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الحر [ ص: 18 ] والعبد ، والصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من بر . قال : ثم عدل الناس نصف صاع من بر بصاع مما سواه .

قال أبو جعفر : ولا نعلم أحدا من أصحاب أيوب تابع ابن شوذب على زيادة هذا الجنس في هذا الحديث ، مع أن كل واحد من حماد بن زيد ، ومن حماد بن سلمة حجة عليه في ذلك ، وليس هو بحجة عليهما فيه ، فكيف وقد اجتمعا جميعا على خلافه في ذلك ، وفي حديثه ما يدل على خطئه فيه ، وهو قوله : ثم عدل الناس نصف صاع من بر بصاع مما سواه ، فكيف يجوز أن يعدلوا صنفا مفروضا ببعض صنف مفروض معه ، وإنما يجوز أن يعدل المفروض مما سواه مما ليس بمفروض .

ثم قد روى هذا الحديث أيضا عن نافع غير أيوب ، كما رواه حماد ، وحماد عن أيوب ، لا كما رواه ابن شوذب عنه .

منهم عبيد الله بن عمر العمري .

3393 - كما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبيد الله ، عن نافع ، [ ص: 19 ] عن ابن عمر ، ثم ذكر مثل حديث حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر بما فيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وما فيه من تعديل الناس بعده .

ومنهم : مالك بن أنس .

3394 - كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب أن مالكا أخبره .

3395 - وكما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، قال : حدثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكرا مثل حديث حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وحماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكرا التعديل .

[ ص: 20 ] ومنهم عمر بن نافع .

3396 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا يحيى بن محمد بن السكن البصري ، قال : حدثنا محمد بن جهضم ، قال : حدثنا إسماعيل - يعني : ابن جعفر - ، عن عمر بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، على الحر والعبد ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير . ولم يذكر التعديل .

ومنهم : الليث بن سعد .

3397 - كما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، وبشر بن عمر الزهراني ، قالا : حدثنا الليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر كما في حديث حماد بن زيد وحماد بن سلمة أيضا ، غير أنه لم يذكر التعديل .

[ ص: 21 ] ومنهم : يونس بن يزيد .

3398 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، وطاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق قالا : حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن يونس بن يزيد ، أن نافعا أخبره قال : قال عبد الله بن عمر : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر . ثم ذكر مثل ما في حديثي حماد ، وحماد عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وكان ابن عمر يقول : جعل الناس عدله مدين من حنطة .

قال أبو جعفر : فكان هؤلاء الجماعة بما رووا عن نافع على ما رواه عنه أيوب في حديثي حماد ، وحماد أولى مما رواه ابن شوذب ، عن أيوب مما يزيد على ذلك .

ثم نظرنا هل روي في مقدار صدقة الفطر عن غير حديث ابن عمر هذا ؟

[ ص: 22 ]

3399 - فوجدنا علي بن شيبة قد حدثنا ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنا نعطي زكاة الفطر من رمضان ، صاعا من طعام ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من أقط .

3400 - ووجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبرنا عن زيد بن أسلم ، عن عياض بن عبد الله ، أنه سمع أبا سعيد يقول : كنا نخرج صدقة الفطر صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط .

3401 - ووجدنا يزيد بن سنان قد حدثنا ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا داود بن قيس ، عن عياض بن عبد الله بن سعد ، عن أبي سعيد ، قال : كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر إما صاعا من طعام ، وإما صاعا من تمر ، وإما صاعا من شعير ، وإما صاعا من زبيب ، وإما صاعا من أقط ، فلم نزل نخرجه حتى قدم [ ص: 23 ] معاوية حاجا أو معتمرا ، وكان فيما كلمه الناس ، فقال : أدوا مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من شعير .

3402 - ووجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثني عبد الله بن نافع المدني ، عن داود بن قيس ، عن عياض ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3403 - ووجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : حدثنا داود بن قيس ، ثم ذكر بإسناده مثله ، وزاد : قال أبو سعيد : أما أنا فلا أخرج إلا كما كنت أخرجه .

3404 - ووجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا محمد بن المنهال ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا روح بن القاسم ، عن زيد بن أسلم ، عن عياض ، [ ص: 24 ] عن أبي سعيد قال : كانوا في صدقة رمضان من جاء بصاع من شعير قبل منه ، ومن جاء بصاع من تمر قبل منه ، ومن جاء بصاع من أقط قبل منه ، ومن جاء بصاع من زبيب قبل منه .

3405 - ووجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ( ح ) ، ووجدنا الربيع قد حدثنا قال : حدثنا شعيب بن الليث قالا : حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الله بن عثمان ، أن عياض بن عبد الله حدثه أن أبا سعيد قال : إنما كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع تمر ، أو صاع شعير ، أو صاع أقط ، لا نخرج غيره ، فلما كثر الطعام في زمن معاوية جعلوه مدين من حنطة .

3406 - ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن عثمان ، [ ص: 25 ] عن عياض بن عبد الله ، قال : سمعت أبا سعيد ، وهو يسأل عن صدقة الفطر ، فقال : لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم : صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط ، فقال له رجل : أو مدين من قمح ؟ فقال : لا ، تلك قيمة معاوية لا أقبلها ، ولا أعمل بها .

قال أبو جعفر : ففيما رويناه من هذا الباب ، عن أبي سعيد ذكر ما كانوا يؤدونه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر ، ففي بعض ذلك : أو صاع من طعام ، أو صاع من شعير ، وفي بعض ذلك : أو صاع من شعير بغير ذكر صاع من طعام ، وفيها كلها ذكر ما سوى هذين الجنسين من الأجناس المذكورة فيها ، فقد يحتمل أن يكون [ ص: 26 ] الطعام المذكور فيما ذكر فيه منها الحنطة ، غير أن ذلك إن كان كذلك ، فإنما هو على أداء ، وقد يجوز أن يكون ذلك على تطوع من المؤدين ، وأولى منه ما حدث ابن عمر مما أخبر به عما فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، وما عدله الناس بعده مما جعلوه عدلا لذلك من غير أجناسه .

فقال قائل : ففي حديث أبي سعيد إنكار القيمة المذكورة فيه من أبي سعيد لها ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن أبا سعيد لم ينكر القيمة ، وإنما أنكر المقوم ، والقيمة فلم تكن من الذي أنكره أبو سعيد ، وإنما كانت من الناس الذين يوجد تقويم ذلك منهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال عبد الله بن عمر في حديثه في ذلك ، مع أن الذي أنكر أبو سعيد تقويمه فرجل له من رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الصحبة ، ومعه الفقه ، فهو في ذلك مع من تابعه حجة ، مع أنا قد روينا عن أبي سعيد إخباره في صدقة الفطر ، أنه يجزئ فيها نصف صاع بر .

كما حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا حجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن يونس ، عن الحسن أن مروان بعث إلى أبي سعيد : أن ابعث إلي بزكاة رقيقك ، فقال أبو سعيد للرسول : إن مروان لا يعلم ، إنما علينا أن نعطي لكل رأس عبد كل فطر صاعا من تمر أو نصف صاع من بر .

[ ص: 27 ] فدل ما رويناه ، عن أبي سعيد في هذا الحديث على ما تأولنا عليه إنكاره ما أنكره فيما تقدم منا في هذا الباب ، مع أنا قد وجدنا فيما روي مرفوعا فيما كان مؤدى في صدقة الفطر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحنطة ، أنه نصف صاع .

3407 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن عزيز الأيلي قبل أن ألقاه ثم لقيته فحدثني به ، كما حدثني به عنه : ابن أبي داود ، قال : حدثنا سلامة بن روح ، عن عقيل بن خالد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء قالت : كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين .

3408 - وكما حدثنا فهد بن سليمان ، وعلي بن عبد الرحمن قالا : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب : أن هشام بن عروة حدثه عن أبيه ، أن أسماء ابنة أبي بكر أخبرته ، أنها كانت تخرج على عهد رسول [ ص: 28 ] الله صلى الله عليه وسلم ، عن أهلها الحر منهم والمملوك ، مدين من حنطة ، أو صاعا من تمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به .

3409 - وكما حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا ابن لهيعة ( ح ) ، وكما حدثنا فهد ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن فاطمة ابنة المنذر ، عن أسماء ابنة أبي بكر قالت : كانت تخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح .

[ ص: 29 ]

3410 - وكما حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو نصف صاع من بر - أو قال : قمح - عن كل إنسان صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، غني أو فقير .

[ ص: 30 ]

3411 - وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صاع من بر أو قمح ، عن كل اثنين حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، أما غنيكم فيزكيه الله عز وجل ، [ ص: 31 ] وأما فقيركم فيرد عليه مثل ما أعطى .

ففيما رويناه في هذا الفصل عن أسماء ذكر ما يؤدونه في زكاة الفطر من القمح على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه كان نصف صاع ، وفي حديث ثعلبة بن أبي صعير أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأداء ذلك المقدار من البر ، ففي ذلك ما قد وكد أمر النصف الصاع من البر ، ودل أن ما زاد عليه مما كانوا يخرجونه من البر حينئذ كان على التبرع منهم والزيادة في الخير لا على الفرض .

فقال قائل : فقد روى هذا الحديث بكر بن وائل الكوفي ، عن الزهري ، فخالف فيه النعمان ، عن الزهري .

3412 - فذكر ما قد حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا همام بن يحيى ، قال : حدثنا بكر الكوفي ، أن الزهري حدثه عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبا ، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير ، عن كل واحد ، أو قال : عن كل رأس ، عن الصغير والكبير ، والحر والعبد .

[ ص: 32 ]

3413 - وما قد حدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد ، قال : حدثنا أبو سلمة ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يقل : والحر والعبد ، قال : فهذا بكر قد خالف النعمان عن الزهري في هذا الحديث .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أنه ما خالفه فيه ، ولكنه قصر عنه ، ومن زاد شيئا أولى ممن قصر عنه ، فثبت بذلك ما رواه النعمان ، وقد وجدنا جلة من التابعين قد أخبروا أن الفرض كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر من الحنطة مدين .

3414 - وكما حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ( ح ) ، وكما حدثنا يونس ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف قالا : قال الليث : حدثني عبد الرحمن بن خالد وعقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، [ ص: 33 ] عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر مدين من حنطة .

3415 - حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي الجيزي ، قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، قال : حدثنا عقيل ، عن ابن شهاب ، أنه سمع سعيد بن المسيب ، وأبا سلمة بن عبد الرحمن ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة يقولون : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر صاعا من تمر ، أو بمدين من حنطة .

[ ص: 34 ]

3416 - وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، والقاسم ، وسالم قالوا : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر بصاع من شعير أو مدين من قمح .

3417 - وكما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الغفار بن داود ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سعيد ، وعبيد الله ، والقاسم ، وسالم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

3418 - وكما حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن عبد الخالق الشيباني - وهو ابن سلمة ، عن سعيد بن المسيب ، قال : كانت الصدقة تعطى على عهد [ ص: 35 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما نصف صاع من حنطة .

ففيما روينا من هذا ما قد دل أن نصف صاع من حنطة كان في صدقة الفطر أصلا من الأصول التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، وفي ذلك ما قد أغنى عن التقويم .

فقال قائل : أما ما رويتموه من حديث عياض بن عبد الله ، عن أبي سعيد ، من أداء الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يؤدونه مما ذكر أداؤهم إياه فيه ، فقد رويتموه فيما تقدم من هذا الباب على الأداء لا على الفرض ، وقد روي أن ذلك كان على فرض كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه عليهم .

3419 - فذكر ما قد حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرني محمد بن علي بن حرب ، قال : حدثنا محرز بن الوضاح ، عن إسماعيل - وهو : ابن أمية - ، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ، عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر [ ص: 36 ] صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من أقط .

قال هذا القائل : وفي هذا الحديث من غير رواية هذا الشيخ ما قد ذكرتموه في هذا الباب ذكر أدائهم صاعا من طعام في ذلك ، والطعام هو الحنطة ، ففي ذلك ما قد دل أن الصاع من الحنطة قد كان فرض في ذلك .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الفرض المذكور في هذا الحديث لم يذكره إلا في حديث الحارث بن عبد الرحمن ، وقد خالفه في ذلك زيد بن أسلم ، ومن قد ذكرنا خلافه إياه في هذا الباب من داود بن قيس ، وقد خالفه في ذلك أيضا ابن عجلان .

3420 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن منصور ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا ابن عجلان ، قال : سمعت عياض بن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدري ، قال : لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من دقيق ، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من سلت . ثم شك [ ص: 37 ] سفيان ، فقال : دقيق أو سلت .

فدل ذلك على تواتر الرواية عن عياض بن عبد الله ، بخلاف ما رواه عنه الحارث بن عبد الرحمن ، والجماعة في ذلك أولى من الواحد .

3421 - حدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : أخبرنا سفيان بن عيينة ، قال : حدثنا ابن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : ما كنا نخرج في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من أقط .

قال أبو جعفر : فقد وكد ذلك أيضا ما ذكرنا .

ثم رجعنا إلى ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون المهديون رضي الله عنهم عليه في ذلك .

فكان فيما ذكرنا في حديث أحمد بن داود ، عن سليمان بن حرب ذكر ما كانوا يعطون في عهد أبي بكر وعمر في ذلك ، وأنه نصف صاع من حنطة .

وقد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عمر الضرير ، وهلال بن يحيى ، قالا : أخبرنا أبو عوانة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي قلابة ، [ ص: 38 ] قال : أخبرني من دفع إلى أبي بكر صاع بر بين اثنين .

حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو عمر ، قال : حدثنا حماد ، عن الحجاج بن أرطاة قال : ذهبت أنا والحكم بن عتيبة إلى زياد بن النضر ، فحدثنا عن عبد الله بن نافع ، أن أباه سأل عمر بن الخطاب ، فقال : إني رجل مملوك ، فهل في مالي زكاة ؟ فقال عمر : إنما زكاتك على سيدك ، أن يؤدي عنك عند كل فطر صاع شعير ، أو صاع تمر ، أو نصف صاع بر .

وحدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا نعيم بن حماد ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، [ ص: 39 ] عن أبي صعير قال : كنا نخرج زكاة الفطر على عهد عمر بن الخطاب نصف صاع .

وحدثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قال : حدثنا القواريري ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث قال : خطبنا عثمان رضي الله عنه ، فقال : أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة .

قال أبو جعفر : هكذا حدثناه عبد الرحمن من حفظه .

[ ص: 40 ]

وأما ابن أبي داود فحدثناه من كتابه ، قال : حدثنا القواريري ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث قال : خطبنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقال في خطبته : أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، عن كل صغير وكبير ، حر ومملوك ، ذكر وأنثى ، ولم يذكر فيه مدين من حنطة .

وحدثنا محمد بن عمرو بن يونس ، قال : حدثنا يحيى بن عيسى ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : أمرت أهل البصرة إذ كنت فيهم ، أن يعطوا عن الصغير والكبير والحر والمملوك مدين من حنطة .

حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو عمر ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، أن حميدا الطويل أخبرهم عن الحسن قال : خطب عبد الله بن عباس على منبر البصرة ، فقال : يا أهل البصرة ، ما لكم لا تؤدون زكاة شهركم ، ثم قال : من هاهنا من أهل المدينة ؟ قوموا إلى إخوانكم ، فعلموهم ، فأمرهم بصاع من شعير ، أو تمر ، أو [ ص: 41 ] نصف صاع من بر ، فلما قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : يا أهل البصرة ، إن سعركم رخيص ، لو جعلتموه صاع بر .

ففيما قد روينا في نصف صاع بر أنه يجري في صدقة الفطر ما قد قامت به الحجة لمن ذهب إلى ذلك على مخالفيه فيه .

وقد روي ذلك أيضا عن عمر بن عبد العزيز ، وعن مجاهد وإبراهيم .

كما حدثنا بكار ، قال : حدثنا عبد الله بن حمران ، قال : حدثنا عوف ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن أرطاة كتابا قرئ على منبر البصرة : أما بعد ، فمر من قبلك من المسلمين أن يخرجوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو نصف صاع من بر .

[ ص: 42 ]

وكما حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو عمر ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن إبراهيم مثله .

وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في زكاة الفطر : صاع من كل شيء سوى الحنطة ، والحنطة نصف صاع .

ففيما ذكرنا ما قد دل على النصف الصاع من الحنطة أنه المفروض في زكاة الفطر لا ما سواه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية