الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
552 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم الذي ينتقض به وضوء من سواه من أمته .

3432 - حدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا حكيم بن سيف ( ح ) . وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، قالا : حدثنا بقية بن الوليد ، عن الوضين بن عطاء ، عن محفوظ بن علقمة الحضرمي ، عن عبد الرحمن بن عائذ الأسدي ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن العين وكاء الست ، فمن نام فليتوضأ .

[ ص: 56 ] قال أبو جعفر : هكذا يحدث بهذا الحديث كل من لقيناه من أهل الحديث يقولون : هو وكاء الست ، وأما أهل العربية ، فيخالفونهم في ذلك ، ويقولون وكاء السه ، وكذلك ذكر لنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، قال أبو عبيد : قوله : السه : حلقة الدبر ، والوكاء أصله هو الخيط ، أو السير الذي يشد به رأس القربة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي عنه في ذلك - يعني : حديث علي رضي الله عنه الذي ذكرناه - اليقظة للعين مثل الوكاء للقربة ، يقول : فإذا نامت استرخى ذلك الوكاء ، فكان منه الحدث ، قال : وقال الشاعر في السه :

شأتك قعين غثها وسمينها وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر

[ ص: 57 ] وقال أبو عبيد : نصر : قبيلة من بني أسد ، قال : وقال آخر :

ادع فعيلا باسمها لا تنسه     إن فعيلا هي صئبان السه

قال أبو جعفر : فأما ما في الحديث : فمن نام فليتوضأ ، فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد به النوم الذي يسترخي الوكاء وتسترخي معه المفاصل كمثل ما في حديث ابن عباس الذي يحدثه عنه أبو العالية الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا الباب ، وهو أولى ما حمل عليه حتى يوافق معناه معنى حديث ابن عباس ذلك .

وقد دل على هذا المعنى أيضا .

3433 - ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا أسد بن موسى . 3434 - وما قد حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي ، وسليمان بن عبد الله الرقي قالوا : حدثنا بقية بن الوليد ، عن أبي بكر بن أبي مريم ، قال الربيع في حديثه : قال : حدثني [ ص: 58 ] عطية بن قيس الكلابي ، وقال أبو أمية في حديثه : عن عطية بن قيس ، ثم اجتمعا ، فقالا : عن معاوية بن أبي سفيان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما العينان وكاء السه ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء .

[ ص: 59 ] قال أبو جعفر : وقد دل على ذلك أيضا .

3435 - ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالك بن أنس حدثه ( ح ) ، وما قد حدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : أخبرنا مالك بن أنس ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا نعس أحدكم في صلاته ، فليرقد حتى يذهب عنه النوم ، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه .

3436 - وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 60 ]

3437 - وما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : وحدثني يحيى بن عبد الله بن سالم ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

3438 - وما قد حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا بشر بن هلال ، قال : حدثنا عبد الوارث - يعني : ابن سعيد التنوري - ، عن أيوب ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف ، لعله يدعو على نفسه وهو لا يدري .

قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث ما قد دل أن الرجل قد يصلي وهو ناعس ، ومثل ذلك أيضا .

3439 - ما قد حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد الطويل ، أنه سمع أنس بن مالك يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحبل ممدود [ ص: 61 ] بين ساريتين في المسجد ، فقال : ما هذا الحبل ؟ فقالوا : فلانة تصلي ، فإذا خشيت أن تغلب أخذت به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فلتصل ما عقلت ، فإذا غلبت فلتنم .

فكان في قوله صلى الله عليه وسلم : لتصل ما عقلت ، ما قد دل أنها قد تصلي وقد خالطها النوم ، وإن كان مما لا يغلبها ، فدل ذلك أنه ليس ينقض من النوم الوضوء إلا ما كان معه استرخاء المفاصل على ما في حديث ابن عباس الذي رواه عنه أبو العالية ، وهو الحديث الذي ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب .

[ ص: 62 ] فقال قائل : فقد روى صفوان بن عسال المرادي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك .

3440 - فذكر ما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر ، قال : قلت لصفوان بن عسال : حك في نفسي ، أو في صدري مسح على الخفين بعد الغائط والبول ، فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ؟ قال : نعم ، كان يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين أن لا ننزع ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم .

3441 - وما قد حدثنا الربيع ، قال : حدثنا يحيى بن حسان ، قال : حدثنا سفيان وحماد بن زيد وأبو الأحوص ، عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، [ ص: 63 ] عن صفوان بن عسال ، قال : كنا إذا كنا مسافرين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، لكن من الغائط والنوم والبول .

قال : ففي هذا الحديث ما قد دل على أن النوم ينقض الوضوء بأي حال ما كان .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل أن يكون ذلك النوم الذي يكون معه استطلاق الوكاء ، واسترخاء المفاصل حتى يتفق هذا الأثر والآثار التي ذكرناها قبله ، ولا يضاد بعضها بعضا ، والدليل على صحة هذا التأويل ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمنه ، وفيما بعده في ذلك .

3442 - كما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء الآخرة ذات ليلة حتى نام القوم ، ثم استيقظوا فجاء عمر ، فقال : يا رسول الله ، الصلاة الصلاة ، قال : فصلوا ، ولم يذكر أنهم توضؤوا .

[ ص: 64 ]

3443 - وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : أقيمت صلاة العشاء الآخرة ، فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، إن لي حاجة ، فقام معه يناجيه حتى نعس بعض القوم ، ثم جاء فصلى ، ولم يذكر أنهم توضؤوا .

[ ص: 65 ]

3444 - حدثنا محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو هلال ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال : كنا نأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ننتظر الصلاة ، فمنا من ينعس وينام ، أو ينعس ثم يصلي ولا يتوضأ .

3445 - وكما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : أقيمت صلاة العشاء ، فقام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يكلمه حتى نعس بعض القوم أو القوم ثم صلوا ، ولم يتوضؤوا .

3446 - وكما حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث ، [ ص: 66 ] قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، عن حميد ، عن أنس ، قال : أقيمت صلاة العشاء ذات ليلة ، فعرض رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه في حاجة هويا من الليل ، حتى نعس بعض القوم ، فجاء فصلى بهم .

3447 - وحدثنا يزيد بن سنان ، قال : حدثنا حرمي بن حفص ، قال : حدثنا الفرات بن أبي الفرات ، قال : حدثنا عطاء بن أبي رباح ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنمت ، واستيقظت ، ثم نمت ، واستيقظت ، فقام رجل من المسلمين ، فقال : الصلاة الصلاة ، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه يقطر - قال : وأظن الرجل عمر رضي الله عنه - فصلى بنا ، وقال : لولا أن أشق على أمتي ، لأحببت أن يصلوا هذه الصلاة هذه الساعة .

[ ص: 67 ]

3448 - وكما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا هاشم بن القاسم ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ، ولا يتوضؤون .

وكما حدثنا صالح ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن مجاهد قال : كان ابن عمر إذا طلع الفجر صلى ركعتين ، ثم يحتبي ، ونحن حوله ، فإن رآه أحد منا نعس ، حركه ، وكان ينعس وهو محتب ، ثم تقام الصلاة فينهض فيصلي .

[ ص: 68 ]

وكما حدثنا صالح ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يقول : من نام وهو قاعد فلا وضوء عليه .

وكما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، أن ابن عمر كان إذا نام قاعدا لم يتوضأ ، وإذا نام مضطجعا توضأ .

وكما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو عامر العقدي ، قال : حدثنا خالد بن إلياس ، عن محمد وأبي بكر ابني المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : من نام وهو قاعد فلا وضوء عليه ، [ ص: 69 ] ومن نام مضطجعا فعليه الوضوء .

قال : فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته قد كانوا في النوم على ما قد ذكرناه عنهم في هذه الآثار قولا وفعلا بلا اختلاف منهم فيه ، أنه لا ينقض وضوؤهم إلا في خاص من النوم ، والأولى في ذلك أن يكون ذلك الخاص هو الذي خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، ووصفه باسترخاء المفاصل الذي لا يكون معه ضبط النائم لنفسه عن الأسباب التي تنقض وضوءه ، ومعقول مع ذلك أن القائم والقاعد والساجد معدوم ذلك منهم ، وأن المضطجع موجود ذلك فيه .

وإذا كان ذلك كذلك لم ينتقض وضوؤه إلا بتلك الحال حتى لا يخرج عن شيء مما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم عن أصحابه في هذا الباب رضوان الله عليهم .

فقال قائل : فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه ما يخالف ما قد رويته في هذا الباب .

فذكر ما قد .

حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الجريري . [ ص: 70 ] وما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أنبأنا الجريري ، ثم اجتمعا فقالا : عن خالد بن غلاق ، عن أبي هريرة ، أنه قال : من استحق النوم ، فقد وجب عليه الوضوء .

والذي نحفظه في خالد هذا ، عن كل من حدثنا هذا الحديث كما ذكرناه : ابن علاق بالعين ، وقد ذكر البخاري ومحمد بن سعد أنه غلاق ، وذكر محمد خاصة أنه عيشي ، والله أعلم بحقيقة اسمه .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه ، أن ما قاله أبو هريرة مما ذكرناه عنه في هذا الحديث غير مخالف لما في الأحاديث الأول ; لأن الذي فيه عنه هو قوله : من استحق النوم فقد وجب عليه الوضوء ، فقد يجوز أن يكون استحقاق النوم عنده هو الذي معه استرخاء المفاصل ، وذلك أولى ما حمل عليه ليوافق قوله في ذلك [ ص: 71 ] أقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سواه .

ومما يحقق ما ذكره في استرخاء المفاصل أن السقوط يكون مع ذلك ، وما لا يكون السقوط معه فبخلاف ذلك ، وما كان مما معه السقوط إلى الأرض فصاحبه في حكم النائم على الأرض ، فمعقول أن عليه الوضوء ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

[ ص: 72 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية