الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 273 ] 575 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إطلاقه للفريعة النقلة في عدتها من وفاة زوجها من الدار التي جاءها فيها بغتة ومن أمره إياها بعد ذلك أن تمكث فيها حتى يبلغ الكتاب أجله

3638 - حدثنا يونس ، قال : أخبرني أنس بن عياض ، قال : أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة الأنصاري ، عن زينب ابنة كعب ، قالت : أخبرتني الفريعة ابنة مالك بن سنان - وهي أخت أبي سعيد الخدري - أنه أتاها نعي زوجها خرج في طلب أعلاج له ، فأدركهم بطرف القدوم ، فقتلوه ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، إنه أتاني نعي زوجي ، وأنا في دار من دور الأنصار شاسعة عن دور أهلي ، وأنا أكره القعدة فيها ، وأنه لم يتركنا في سكنى ، ولا مال يملكه ، ولا نفقة ينفق علي ، فإن رأيت أن ألحق بأخي ، فيكون أمرنا جميعا ، فإنه أجمع في شأني ، وأحب إلي ، قال : إن شئت فالحقي بأهلك ، فخرجت مستبشرة بذلك ، حتى إذا كنت في الحجرة ، أو في [ ص: 274 ] المسجد دعاني ، أو دعيت له ، فقال : كيف زعمت ؟ فرددت عليه الحديث من أوله ، فقال : امكثي في البيت الذي جاءك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله . فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا ، فأرسل إليها عثمان رضي الله عنه فسألها فأخبرته ، فقضى به .

قال أبو جعفر : وهذا حديث جليل المقدار يدور على سعد بن إسحاق الذي حدث به عنه أنس ، وقد رواه غير واحد من جلة أهل العلم ممن يتجاوزه في السن عنه ، ممن رواه عنه ، ممن هو كذلك ابن شهاب الزهري .

[ ص: 275 ]

3639 - كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عمن أخبره عن زينب ابنة كعب بن عجرة ، وكانت تحت أبي سعيد الخدري ، عن فريعة ابنة مالك أخت أبي سعيد الخدري ، ثم ذكر هذا الحديث بمعانيه كلها .

غير أن الزهري لم يذكر في حديثه هذا ليونس بن يزيد من حدثه به عن زينب ابنة كعب ، فالتمسنا ذلك لنعلم : هل هو سعد بن إسحاق أم لا ؟

3640 - فوجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا ، قال : أخبرنا محمد بن نصر المروزي ، قال : حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال ، قال : حدثنا أبو بكر - يعني ابن أبي أويس - ، عن سليمان - يعني ابن بلال - ، عن ابن أبي عتيق ، وموسى بن عقبة ، عن ابن شهاب ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، أن عمته أخبرته ، عن فريعة ابنة مالك ، أخبرتها أنها كانت عند رجل من بني الحارث بن الخزرج ، ثم ذكره بمعانيه كلها غير ما كان من عثمان رضي الله عنه في ذلك فإنه لم يذكره .

[ ص: 276 ] قال أبو جعفر : فوقفنا بذلك على أن الرجل الذي حدث به عنه ابن شهاب يونس بن يزيد هذا الحديث ولم يسمه له : هو سعد بن إسحاق هذا .

ومنهم : يحيى بن سعيد الأنصاري .

3641 - كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله ، وذكر فيه ما ذكره أنس في حديثه مما كان من عثمان رضي الله عنه في ذلك .

3642 - وكما حدثنا نصر بن مرزوق ، قال : حدثنا الخصيب بن [ ص: 277 ] ناصح ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، ثم ذكر بإسناده مثله .

ومنهم : يزيد بن محمد القرشي .

3643 - كما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : حدثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن يزيد بن محمد ، عن سعد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده وبقصة عثمان الذي فيه مثله .

ومنهم : محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب .

3644 - كما حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، قال : حدثنا سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة ، ثم ذكر بإسناده مثله غير قصة عثمان التي لم يذكرها .

ومنهم : مالك بن أنس .

3645 - كما حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن سعد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله .

[ ص: 278 ] ومنهم : شعبة وروح بن القاسم .

3646 - كما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا محمد بن المنهال ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثني شعبة ، وروح بن القاسم جميعا ، عن سعد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله .

ومنهم : سفيان الثوري .

3647 - كما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن سعد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يذكر قصة عثمان فيه .

ومنهم : زهير بن معاوية .

3648 - كما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن خالد ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، عن سعد بن إسحاق ، أو إسحاق بن [ ص: 279 ] سعد ثم ذكر بإسناده مثله ، ولا أدري أذكر قصة عثمان فيه أو لم يذكرها .

ومنهم : محمد بن إسحاق .

3649 - كما حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا الوهبي ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن سعد بن إسحاق ، فذكر بإسناده مثله ، وذكر فيه قصة عثمان ، غير أنه قال مكان الفريعة : الفرعة .

ومنهم : ابن جريج .

3650 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن العلاء - يعني أبا كريب - ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن شعبة ، وابن جريج ، ويحيى بن سعيد ، ومحمد بن إسحاق ، عن سعد بن إسحاق ، أنه ذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يذكر قصة عثمان فيه ، وقال مكان الفريعة : الفارعة ابنة مالك .

ومنهم : حماد بن زيد .

3651 - كما حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، [ ص: 280 ] قال : حدثنا حماد وهو ابن زيد ، عن سعد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله ، وقال فيه عن فريعة ، ولم يذكر فيه قصة عثمان رضي الله عنه .

ومنهم : يحيى بن عبد الله بن سالم العمري .

3652 - كما حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم ، عن سعد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله .

ومنهم : وهيب بن خالد .

3653 - كما حدثنا فهد ، قال : حدثنا موسى بن الخليل ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن سعيد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله .

ومنهم : مروان بن معاوية الفزاري .

3654 - كما حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا أحمد بن منيع ، قال : حدثنا مروان بن معاوية ، عن سعد بن إسحاق ، ثم ذكر بإسناده مثله ، ولم يذكر فيه قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه .

[ ص: 281 ] قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث : إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم للفريعة الإلحاق بأخيها والنقلة إليه من الدار التي جاءها فيها نعي زوجها ، فاحتمل أن يكون ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم لذكرها له أنه لم يخلف لها ما تسكن فيه ولا ما تنفق منه عليها ، فأطلق لها النقلة والإلحاق بأخيها لذلك ، واحتمل أن يكون أطلق لها ذلك ; لأنه لا مسكن لها في منزل خلفه زوجها ولا نفقة لها من مال لو كان خلفه إذ كان ماله أو مسكنه قد خرجا من ملكه بموته إلى من خرجا إليه ، والله أعلم بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد إليه في ذلك .

ثم تأملنا أمره إياها بعد ذلك أن تمكث في البيت الذي جاءها فيه نعي زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله ، بعد أن كان أمرها بخلاف ذلك ما هو ؟ فاحتمل أن يكون ذلك كان منه ، لأن جبريل صلى الله عليه وسلم كان حاضر ذلك من جوابه ، فأعلمه بما أمر من أجله للفريعة لما أمرها به من ذلك ، إذ كانت أعلمته أنها في دار لم يزعجها منها أهل زوجها ، وإن كان لهم إزعاجها منها ، إذ كانت لهم دون زوجها ، لأنه لم يكن يملكها ، ولكن قد كان من حقهم تحصينها حيث شاؤوا أن يحصنوها احتياطا لزوجها من أن يلحقه ولد يكون منها ، وقد قال بهذا من أهل العلم غير واحد ، منهم الشافعي مع مذاهبهم أن المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها ولا سكنى في عدتها ، فقالوا : لأولياء زوجها تحصينها في عدتها حياطة لزوجها الذين هم أولياؤه أن يلحقه ولد تأتي به ليس منه ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كانوا لم يخرجوها من ذلك المنزل ورضوه لها أن ترجع إليه ، فتكون فيه حتى يبلغ الكتاب أجله ، كما أعلمه جبريل صلى الله عليهما أنه من حقوقهم التي لهم أن يطلبوها ، وكان الذي [ ص: 282 ] كان من جبريل صلى الله عليه وسلم في ذلك كمثل الذي كان منه في حديث أبي قتادة للذي سأله ، فقال : إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر ، يكفر الله عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فلما أدبر الرجل ، ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أمر به فنودي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت ؟ فأعاد عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم إلا الدين ، كذلك قال لي جبريل صلى الله عليه وسلم .

3655 - كما حدثناه يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال أخبرني مالك بن أنس .

3656 - وحدثناه المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، عن مالك بن أنس ، ثم اجتمعا جميعا ، فقالا : عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري ، عن أبيه ، ثم ذكر هذا الحديث كما ذكرنا .

[ ص: 283 ]

3657 - وحدثنا المزني ، قال : حدثنا الشافعي ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن عجلان ، عن محمد بن قيس ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، ثم ذكر مثله .

فكان مثل هذا محتملا أن يكون في حديث الفريعة ، والمعنى الذي ذكرناه من حقوق أولياء الميت في زوجته التي توفي عنها ، قال أبو جعفر : حكاه لنا المزني ، عن الشافعي ، وهو قول حسن ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية