الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 402 ] 591 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسباب المحبة وأسباب البغضة في قلوب الناس

3788 - حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، عن العلاء بن المسيب ، أن سهيل بن أبي صالح حدثه ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله عز وجل إذا أحب عبدا قال لجبريل صلى الله عليه وسلم : إني أحب فلانا ، فأحبه ، فيحبه جبريل ، ويقول لأهل السماء : إن الله عز وجل يحب فلانا ، فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ويوضع له القبول . قال العلاء : فقلت : ما القبول ؟ قال : المودة من الناس .

[ ص: 403 ]

3789 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا أحب الله عز وجل العبد ، قال لجبريل صلى الله عليه وسلم : قد أحببت فلانا ، فأحبه ، فيحبه جبريل صلى الله عليه وسلم ، ثم ينادي في السماء : إن الله قد أحب فلانا ، فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض . قال مالك : ولا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك .

3790 - وحدثنا علي بن معبد ، وعلي بن شيبة ، قالا : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن سهيل بن أبي صالح ، قال : كنا بعرفة ، فمر عمر بن عبد العزيز ، وهو على الموسم ، فقام الناس ينظرون إليه ، فقلت لأبي : يا أبه ، إني لأرى أن الله عز وجل يحب عمر بن عبد العزيز ، قال : وما ذاك ؟ قلت : لما له من الحب في قلوب الناس . فقال : بأبيك أنت يا بني ، سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله عز وجل إذا أحب عبدا ، قال : يا جبريل إني أحب فلانا ، فأحبوه ، فينادي جبريل صلى الله عليه وسلم في السماوات : إن الله عز وجل يحب فلانا ، فأحبوه ، فيلقى حبه على أهل الأرض ، فيحبونه ، وإذا أبغض عبدا ، قال : يا جبريل ، إني أبغض فلانا ، فأبغضوه ، فيوضع له [ ص: 404 ] البغض في الأرض .

3791 - حدثنا بكار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن سهيل بن أبي صالح ، يعني عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل إذا أحب عبدا دعا جبريل صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا جبريل ، إني أحب فلانا ، فأحبه ، فيحبه جبريل صلى الله عليه وسلم ، وينادي في السماء : إن الله عز وجل يحب فلانا ، فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ويوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض عبدا كان مثل ذلك .

3792 - وحدثنا أحمد بن داود بن موسى ، قال : حدثنا سهل بن بكار ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال أبو جعفر : وكل هذه الآثار فمروية عن سهيل ، عن أبيه ، وقد خالف رواتها روح فيها ، فأدخل بين سهيل وبين أبيه فيها [ ص: 405 ] القعقاع بن حكيم .

3793 - كما حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا أمية بن بسطام ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا روح بن القاسم ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

قال لنا ابن أبي داود : هكذا يقول روح ، عن سهيل ، عن القعقاع ، عن أبي صالح ، وليس يقول هذا غيره .

فقال قائل : هذه الآثار تدل على أن المحبة والبغضة اللتين تقعان في قلوب الناس لا اكتساب لهم فيها ، وأنهما يكونان في قلوبهم بغير [ ص: 406 ] اختيار منهم لذلك ، وبما لا يستطيعون دفعه عنها ، فهو كما تحدثهم به أنفسهم مما لا يستطيعون إخراجه منها ، وذلك مما لا حمد لهم على محموده ، ولا ذم عليهم في مذمومه ، وأنتم قد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك .

3794 - فذكر ما قد حدثنا الربيعان : الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي ، والربيع بن سليمان بن داود الأزدي ، قالا : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا حماد بن موسى ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن رجلا زار أخا له في قرية أخرى ، فأرصد الله عز وجل على مدرجته ملكا ، فلما أتى عليه قال له : أين تريد ؟ قال : أزور أخا لي في هذه القرية . قال : هل له عليك من نعمة تربها ؟ قال : لا ، أحببته في الله عز وجل . قال : فإني رسول الله إليك ، إن الله قد أحبك كما أحببته .

[ ص: 407 ]

3795 - وكما حدثنا الربيع المرادي خاصة ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي حسان ، عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله .

3796 - وما قد حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : حدثنا شعبة ، عن يحيى بن أبي سليم ، قال : سمعت عمرو بن ميمون ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من سره أن يجد طعم الإيمان ، فليحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل .

قال : فهذا قد يحمد عليه ، وذلك لا يكون إلا باكتسابه إياه ، والذي في الفصل الأول من هذا الباب ينفي أن يكون له في ذلك اكتساب ، فهذان معنيان متضادان .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن الأمر في ذلك ليس كما ظنه ، وأنه لا تضاد في شيء مما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ; [ ص: 408 ] لأن ما قاله فإنما هو وحي يوحى قد تولاه الله عز وجل فيه ، ولكن معنى الأحاديث الأول - والله أعلم - أن المحبة المذكورة فيها من الله عز وجل لمن يحبه من عباده يكون بعدما قد كان منهم ما أحبهم عليه ، كما قال عز وجل في كتابه : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم . فكانت محبته عز وجل إياهم باتباعهم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك مما قد يكون في حياته وبعد وفاته ، فإذا اتبعوه صاروا لربهم عز وجل أولياء ، فألقى في قلوب عباده محبتهم ، فيحبونهم باختيارهم ، فيثيبهم على ذلك كمثل ما يلقي في قلوبهم الإيمان ، كما قال عز وجل : ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة . فأخبر عز وجل بما تفضل به في ذلك عليهم مما ألقاه في قلوبهم حتى يكون منهم ما يحمدهم عليه ، فيأجرهم ، ويثيبهم عليه ، فمثل ذلك المحبة لأولياء الله عز وجل بتحبيبه إياهم إلى من يحببهم إليه من عباده ، فيحبونهم باختيارهم ، وباكتساب محبتهم ، فيأجرهم على ذلك ، ويثيبهم عليه ، وكذلك أيضا من أبغضه من عباده بخروجه عن رسوله ، ولعنوده عن أمره يبغضه عز وجل لذلك ; لأنه صار له عدوا ، فيوقع في قلوب من يشاء من عباده بغضه ، فيبغضونه باكتسابهم لذلك ، فيؤجرون على بغضهم إياه ، ويثابون على ذلك ، فقد بان بحمد الله ونعمته جميع ما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، أنه لا تضاد فيه ، ولا مخالفة لبعضه بعضا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية