الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 409 ] 592 - باب بيان مشكل ما روي عن أبي معمر ، عن ابن مسعود مما كانوا يقولونه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، وأنهم قالوه بعد النبي عليه السلام : السلام على النبي

3797 - حدثنا الحسين بن الحكم الكوفي الحبري أبو عبد الله ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سيف بن سليمان ، قال : سمعت مجاهدا ، قال : حدثني عبد الله بن سخبرة أبو معمر ، قال : سمعت ابن مسعود يقول : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه ، كما يعلم السورة من القرآن : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . وهو بين ظهرانينا ، فلما قبض ، قلنا : السلام على النبي .

[ ص: 410 ] فقال قائل : هذا حديث منكر ; لأنه يوجب أن يتشهد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بما عامة الناس يتشهدون بخلافه ; لأنهم يتشهدون فيقولون في تشهدهم : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته بعد موته ، كما كانوا يتشهدون في حياته .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنا قد أنكرنا من ذلك مثل الذي أنكره .

فقال : فمن أين جاء هذا الخلاف لما الناس عليه ، أمن قبل أبي معمر ، فهو رجل جليل المقدار مقبول الرواية ، أو ممن دونه من رواة هذا الحديث ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنا قد كشفنا عن ذلك فوجدناه ممن دونه من رواة هذا الحديث .

3798 - كما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، قال : حدثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن مسعود - ولم يذكر أبا معمر في حديثه - قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد في الصلاة ، كما يعلمنا السورة من [ ص: 411 ] القرآن ، ثم ذكر التشهد الذي في الحديث الأول ، قال : فلما قبض ، قالوا : السلام على النبي .

فدل ما ذكرنا أن هذه الزيادة المخالفة لما الناس عليه كانت ممن دون أبي معمر .

قال أبو جعفر : ومما يدفع في هذا الحديث أن يكون مستعملا ، ويوجب التمسك بما الناس عليه في صلواتهم من تشهدهم الذي يتشهدون به فيها .

3799 - أن أبا عيسى موسى بن عيسى الكوفي قد حدثنا ، قال : حدثنا الحسين بن علي الجعفي ، قال : حدثنا الحسن بن الحر ، عن القاسم بن مخيمرة ، قال : أخذ علقمة بيدي ، فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده ، ثم علمه التشهد ، فذكر التشهد الذي في الحديث الذي رويناه ، ولم يذكر فيه الزيادة التي فيه على تشهد الناس .

3800 - وأن فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو نعيم ، وأبو غسان ، [ ص: 412 ] واللفظ لأبي نعيم ، قالا : حدثنا زهير بن معاوية ، عن الحسن بن الحر ، ثم ذكر بإسناده مثله ، وقال : فإذا فعلت ذلك أو قضيت هذا ، فقد تمت صلاتك ، إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد .



3801 - وأن الحسين بن نصر قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا زهير ، ثم ذكر بإسناده مثله .

3802 - وأن فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا زهير ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، قال : أتيت الأسود بن يزيد ، فقلت : إن أبا الأحوص قد زاد في خطبة الصلاة : والمباركات ، قال : فأته ، فقل له : إن الأسود ينهاك ، ويقول : إن علقمة تعلمهن من عبد الله كما يتعلم السورة من القرآن عدهن عبد الله في يده ، ثم ذكر تشهد عبد الله .

[ ص: 413 ] فانتفى أن تكون الزيادة التي في الحديث الأول عن عبد الله ، وثبت أنها عن مجاهد .

ومما يدل على فساد ذلك ، ووجوب الأخير بغيره مما الناس عليه في صلواتهم ، أن ابن عمر ، وأبا موسى الأشعري ، وجابر بن عبد الله ، وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رووا التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير خلاف لما يكونون عليه منه في حياته وبعد وفاته ، وقد ذكرنا ذلك في بابه من كتابنا في « شرح معاني الآثار » .

ومما قد وكد ذلك أيضا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قد كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم علم الناس التشهد كذلك .

3803 - كما حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : كان أبو بكر رضي الله عنه يعلمنا التشهد على المنبر كما يعلمون الصبيان في الكتاب ، ثم ذكر تشهد ابن مسعود سواء .

[ ص: 414 ] وأن عمر رضي الله عنه قد كان علم التشهد الناس وهو على المنبر .

3804 - كما قد حدثنا يونس ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، ومالك بن أنس ، أن ابن شهاب ، حدثهما عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلم الناس التشهد على المنبر ، وهو يقول : قولوا : التحيات لله ، الزاكيات لله ، الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

هكذا أملاه يونس علينا .

3805 - وحدثناه في « موطأ مالك » ، عن ابن وهب ، عن مالك أنه [ ص: 415 ] حدثه عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري ، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر وهو يعلم الناس التشهد يقول : قولوا : التحيات لله ، الزاكيات الطيبات ، الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، السلام عليكم عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

فقال قائل : وكيف يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب بعد وفاته بمثل هذا كما كان يخاطب في حياته ؟

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن أبا عبيد ذكر عن ابن عيينة أن مما أجل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسلم عليه بعد وفاته كما كان يسلم عليه في حياته فكان هذا حسنا ، وقد استخرج بعض من استخرج عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا معنى حسنا .

3806 - وهو ما قد حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، [ ص: 416 ] وددت أني رأيت إخواننا . قالوا : يا رسول الله ، ألسنا بإخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي ، وإخواني الذين يأتون بعد ، وأنا فرطهم على الحوض .

3807 - وهو ما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، ثم ذكر بإسناده مثله .

قال : ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سلم على أهل المقبرة وهم موتى ، كما كان يسلم عليهم وهم أحياء ، وإذا جاز ذلك في أهل المقبرة كان في رسول الله صلى الله عليه وسلم أجوز ، وهذا معنى حسن ، والله نسأله التوفيق .

وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما [ ص: 417 ] يدخل في هذا المعنى مثل الذي قد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيه .

3808 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كلما كانت ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج آخر الليل إلى البقيع فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد .

[ ص: 418 ]

3809 - وكما حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : وآتاكم ما توعدون ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية