الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 445 ] 599 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن وجد يعمل بعمل قوم لوط

3833 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : أخبرنا عبد الله بن نافع ، عن عاصم بن عمر ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : الذي يعمل عمل قوم لوط ، فارجموا الأعلى والأسفل ، ارجموهما جميعا .

[ ص: 446 ]

3834 - حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا الدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به .

قال أبو جعفر : ففيما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي [ ص: 447 ] هريرة إيجاب الرجم ، وليس فيه تفصيل بين حكم من كان ذلك منه وقد أحصن ، وبين حكمه ولم يحصن ، فاحتمل أن يكون ذلك مما قد خص به من فعل هذا الفعل ، وفرق بينه وبين الزاني ، فاعتبرنا ذلك : هل روي مبينا كذلك أم لا . ؟

فوجدنا عبيد بن رجال قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، أن مجاهدا ، وسعيد بن جبير حدثاه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أنه كان يقول في البكر يوجد على اللوطية : أنه يرجم ، أحصن أو لم يحصن .

فوقفنا بذلك على أن حكمه كان عند ابن عباس كان الرجم ، واحتمل أن يكون كان ذلك عنده لأخذه إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واحتمل أن يكون قاله رأيا ، ووجدنا ما روي في حديث عمرو بن أبي عمرو في الأمر بقتله قد يحتمل أن يكون ذلك بالرجم ، فيكون موافقا لحديث أبي هريرة ، ويحتمل أن يكون بغير الرجم ، فيدفعه ما قد ذكرناه مما قد قامت به الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يدفع القتل بسوى الثلاثة الأشياء المذكورة فيه ، غير أنه لما دخل في هذا الباب ما قد [ ص: 448 ] دخل فيه مما لم نجد فيه غير هذين الحديثين نظرنا فيما قاله أهل العلم في ذلك .

فوجدنا يزيد بن سنان قد حدثنا ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، قال : حد اللوطي حد الزاني .

ففي هذا ما قد فرق فيه بين حد البكر وغير البكر في ذلك ، وهذا الحديث ، فعن عطاء وهو أحد أصحاب ابن عباس ، فقد يحتمل أن يكون قاله كذلك لأخذه إياه عن ابن عباس ، وقد يحتمل خلاف ذلك .

ووجدنا يزيد قد حدثنا ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، وخالد ، عن الحسن ، قالا : حد اللوطي حد الزاني .

[ ص: 449 ]

ووجدنا يوسف بن يزيد قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم ، قال : حدثنا علي بن هاشم ، عن أبي حنيفة ، وسفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم مثله .

قال أبو جعفر : ولم نجد في هذا الباب غير ما قد رويناه فيه ، وإذا وجب أن يرد حد المحصن في ذلك إلى حد الزاني وجب أن يرد حد البكر فيه إلى حد الزاني ، وقد وجدناهم أيضا لا يختلفون في وجوب الغسل منه ، وإن لم يكن معه إنزال ، كما يجب الغسل منه إذا كان الجماع في الفرج ، وإذا كان ذلك كذلك فيما ذكرنا وجب أن يكون مثله فيما وصفنا من وجوب الحد ومن افتراق حال المحصن فيه وغير حال المحصن .

فإن قال قائل : فقد رأينا هذا يكون من الرجل إلى المرأة في دبرها ، فلا يوجب عليه مهرا إذا دخل فيما كان منه إليها شبهة ، كما يكون عليه لو أتاها في فرجها ، وإذا وجب أن يكون في المهر بخلافه [ ص: 450 ] فيه في الفرج وجب أن يكون في الحد بخلاف ذلك .

فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن ما ذكر من ذلك في المهر كما ذكر ، وأن ما ذكرناه في الغسل من ذلك كما ذكرنا ، وأن الغسل واسطة بينهما ، فوجب أن يرد إلى أشبههما ، فوجدنا الحد من حقوق الله عز وجل ، ووجدنا الغسل من حقوق الله عز وجل ، ووجدنا المهر من حقوق الآدميين ، فكان حق الله عز وجل من الحد بحقه في الغسل أشبه في حقه في الحد بحقوق الآدميين من المهر ، وهذا قول أبي يوسف ، ومحمد بن الحسن جميعا .

وقد ذكرنا في هذا الباب حديث ابن عباس من حديث عمرو بن أبي عمرو ، عن الدراوردي ، وقد وافقه عليه سليمان بن بلال ، فرواه عن عمرو كذلك .

3835 - كما حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه . والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية