[ ص: 289 ] 395 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسحه على خفيه هل كان بعد نزول المائدة أو قبلها ؟
2490 - حدثنا محمد بن علي بن داود قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين ، فاسأل الذين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح على الخفين أقبل المائدة أو بعد المائدة ؟ فقال : والله ما مسح بعد المائدة ، ولأن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح عليهما .
[ ص: 290 ] ففي هذا الحديث أن مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على خفيه كان قبل نزول المائدة ، وأنه لم يمسح عليهما بعد نزولها عليه ، وفيه من قول ابن عباس : ولأن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي [ من ] أن أمسح عليهما ، فتعلق بهذا الحديث قوم فمنعوا به من المسح على الخفين .
فتأملنا هذا الحديث هل يوجب ما حملوه عليه أم لا ؟ .
فوجدنا فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان مسح على الخفين قبل نزول المائدة عليه ، وليس فيه أنه قال للناس بعد نزولها عليه : لا تمسحوا عليهما ، فإن الذي نزل علي في سورة المائدة من غسل الرجلين في الوضوء للصلاة قد منع من ذلك .
ولو كان ذلك كذلك لكانت الحجة قد قامت بنسخ المسح على الخفين في الوضوء ، وإنما فيه قول ابن [ ص: 291 ] عباس : إنه لم يمسح عليهما بعد نزول المائدة ، وقد يجوز أن يكون كان ذلك ؛ لأنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليهما ، ورآه غيره مسح عليهما ، فإن كان ذلك كذلك كان من رآه مسح عليهما بعد نزولها أولى بما روي ممن روى أنه لم يره مسح عليهما بعد نزولها .
وتأملنا قول ابن عباس : ولأن أمسح على ظهر عير بالفلاة أحب إلي من أن أمسح عليهما فوجدناه محتملا أن يكون ذلك منه ؛ لأنه من قوم قد اختصهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الناس بإسباغ الوضوء على ما رويناه فيهم ، مما قد تقدم في كتابنا هذا ، وهو قول ابن عباس : ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الناس إلا بثلاثة : إسباغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة - وأن لا ننزي حمارا على فرس - وكان إسباغ الوضوء هو المبالغة فيه وتبليغه أعلى مراتبه .
وفي ذلك غسل القدمين لا المسح على الخفين الملبوسين عليهما ، ويكون المسح على الخفين عنده لغيره من الناس باق على حكمه قبل نزول المائدة ، ويكون له مع ذلك أن يمسح على الخفين كما يمسح غيره من الناس ، وإن كان لزوم ما اختصه به رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى به من غيره .
ثم نظرنا هل روي عنه ما يدل على ذلك أم لا . ؟
فوجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري ، - ووجدنا بكار بن قتيبة قد حدثنا قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي [ ص: 292 ] قالا : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن موسى بن سلمة قال : سألت ابن عباس عن المسح على الخفين فقال : للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، وللمقيم يوم وليلة .
فكان تصحيح ما رويناه عنه في هذا الباب اختياره لنفسه ما اختصه [ ص: 293 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، وإعلامه الناس الذين هم في ذلك بخلافه وبخلاف بني هاشم سواه أن لهم أن يمسحوا على خفافهم على ما في حديث موسى بن سلمة عنه ، وهذا أحسن ما توجه لنا في هذا الباب بعد احتمالنا فيه حديث عطاء بن السائب الذي ذكرناه فيه ؛ لأنه من حديث أبي عوانة عنه ، وهو ممن أخذ عنه في حال التغير وقبل حال التغير ، فلم يدر أكان هذا الحديث مما أخذه قبل التغير أو بعد التغير ، وإنما حديثه الذي كان منه قبل تغيره يؤخذ من أربعة لا ممن سواهم وهم : شعبة - والثوري - وحماد بن سلمة - وحماد بن زيد - .
ثم نظرنا هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على خفيه بعد نزول المائدة أم لا ؟ .
2491 - فوجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا سفيان عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام قال : رأيت جريرا توضأ من المطهرة ، ثم مسح على خفيه فقيل له : أتمسح على خفيك ؟ فقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه .
كان هذا الحديث يعجب أصحاب عبد الله ؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة .
[ ص: 294 ]
2492 - ووجدنا عبد الملك بن مروان الرقي قد حدثنا قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام قال : بال جرير بن عبد الله البجلي ثم توضأ ومسح على خفيه ، فقيل له : أتفعل هذا وقد بلت ؟ قال : نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ، ثم توضأ ومسح على خفيه .
قال الأعمش : قال إبراهيم : كان يعجبهم هذا الحديث لأن [ ص: 295 ] إسلام جرير كان بعد نزول المائدة .
2493 - وحدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا حجاج بن إبراهيم قال : حدثنا أبو شهاب ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام بن الحارث أن جرير بن عبد الله قضى حاجة من غائط أو بول ، ثم توضأ ومسح على خفيه فضحك بعضهم فقال له جرير : إن تعجب فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ثم مسح .
حدثنا يوسف قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو شهاب ، عن الأعمش ، عن إبراهيم أنه كان معجبا بحديث جرير لأنه أسلم بعد نزول المائدة .
قال أبو جعفر : وكان في هذا الحديث تثبيت جرير مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على خفيه بعد نزول المائدة ، فكان أولى مما رويناه قبله في هذا الباب .
[ ص: 296 ] فقال قائل : إنما الذي في هذا الحديث من كلام أصحاب عبد الله بغير ذكر منهم إياه عن جرير ، فكان حديثا منقطعا .
وكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أنه قد روي هذا الحديث عن جرير متصلا من غير هذه الجهة .
2494 - كما قد حدثنا فهد قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا بكير بن عامر البجلي ، عن أبي زرعة قال : بال جرير ومسح على الخفين فعاب ذلك عليه قوم ، وقالوا : إن هذا كان قبل نزول المائدة ، فقال : ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة ، وما رأيت نبي الله صلى الله عليه وسلم يمسح إلا بعدما نزلت .
[ ص: 297 ]
2495 - وكما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا يزيد بن عبد ربه .
وكما قد حدثنا ابن أبي أمية قال : حدثنا حيوة بن شريح الحضرمي قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن مقاتل بن حيان ، عن شهر بن حوشب ، عن جرير بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ، فقالوا : بعد نزول المائدة ؟ فقال جرير : إنما أسلمت بعد نزول المائدة .
[ ص: 298 ] فهذان حديثان متصلان عن جرير فيهما إثباته مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول المائدة . والله نسأله التوفيق .
وفي حديث جرير هذا ما قد حدثنا محمد بن بحر بن مطر قال : حدثنا الحسن بن قتيبة قال : حدثنا حمزة الزيات ، عن حماد ، عن إبراهيم قال : لم أسمع في المسح حديثا أحب إلي من حديث جرير بن عبد الله لأنه أسلم بعد نزول المائدة ، وفي العام الذي قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .


