الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 394 ] 772 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : إن هذا المال حلوة خضرة .

4886 - حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ، قال : حدثنا مسلم بن خالد ، عن إسماعيل بن أمية ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن خولة ، قال : جئناها لنسألها عن حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - فخلف عليها بعده رجل من بني زريق ، فجاء زوجها ونحن عندها ، فقال : ما جاء بكم ؟ قلنا : جئناها لنسألها عن حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها : انظري ما تحدثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب ، قالت : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دخل على عمه يعوده يقول : إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بحقه بورك له فيه ، ورب متخوض فيما اشتهت نفسه من مال الله - عز وجل - ورسوله ، له النار يوم القيامة .

[ ص: 395 ] فتأملنا هذا الحديث فوجدناه من حديث إسماعيل بن أمية ، عن المقبري بتحقيق أخذه إياه عن خولة سماعا له منها ، ووجدنا الذي حدث به عنه مسلم بن خالد .

ثم وجدنا داود بن عبد الرحمن العطار قد خالف مسلما في إسناد هذا الحديث ، فذكر أنه عن إسماعيل ، عن سعيد ، عن أبي هريرة لا عن خولة .

[ ص: 396 ]

4887 - كما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار ، عن إسماعيل ، عن سعيد ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بحقه بورك له فيه ، ورب متخوض في مال الله - عز وجل - ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما اشتهت نفسه ، له النار يوم القيامة .

4888 - وكما حدثنا عبيد بن رجال ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، قال : حدثنا داود العطار ، ثم ذكر بإسناده مثله .

وتأملنا رواية مسلم لهذا الحديث ، عن إسماعيل بن أمية ، عن سعيد المقبري ، عن خولة : هل هو في الحقيقة كما رواه عنها .

4889 - فوجدنا الربيع بن سليمان المرادي ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم قد حدثانا ، قال الربيع : حدثنا شعيب بن الليث ، قال : أخبرنا الليث ، وقال محمد : أخبرنا أبي وشعيب بن الليث قالا : حدثنا الليث ، ثم اجتمعا فقالا : عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن عبيد أبي الوليد ، قال : [ ص: 397 ] سمعت خولة ابنة قيس بن قهد ، وكانت تحت حمزة بن عبد المطلب ، تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذا المال حلوة خضرة من أصابه بحقه بورك له فيه ، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله - عز وجل - ورسوله ، ليس له يوم القيامة إلا النار .

فوقفنا بذلك على أن سعيدا المقبري لم يسمع هذا الحديث من خولة ، وأنه إنما سمعه من عبيد أبي الوليد عنها ، وعبيد هذا هو الذي يقال له : سنوطا ، قد ذكر ذلك يحيى بن سعيد الأنصاري .

4890 - كما قد حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن عبيد سنوطا ، عن خولة ابنة قيس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر هذا الحديث .

[ ص: 398 ]

4891 - وكما حدثنا المطلب بن شعيب بن حيان الأزدي ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن عبيد سنوطا ، عن خولة ابنة قيس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، ثم تأملنا ما في هذا الحديث ، من ذكر خولة هل هو على ما في هذا الحديث ، أم لا ؟

4892 - فوجدنا يونس بن عبد الأعلى قد حدثنا ، قال : حدثنا عبد الله بن وهب ، قال : سمعت حيوة بن شريح ، قال : أخبرني أبو الأسود أنه سمع النعمان بن أبي عياش الأنصاري يقول : إنه سمع خولة ابنة ثامر تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن هذا المال خضرة حلوة ، وكم من متخوض في مال الله - عز وجل - ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير الحق له يوم القيامة النار .

[ ص: 399 ]

4893 - ووجدنا الربيع بن سليمان الجيزي قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : أخبرنا حيوة ، ثم ذكر بإسناده مثله .

فكان في هذا الحديث ، نسبة خولة إلى ثامر ، فاحتمل أن يكون قيس بن قهد الذي نسب إليه فيما روينا قبل هذا ، كان يلقب بثامر ، فروى بعضهم حديثها بحقيقة اسم أبيها ، ورواه بعضهم باللقب الذي كان يلقب به .

ثم تأملنا قوله صلى الله عليه وسلم : إن هذا المال خضرة حلوة ، فذكر المال وهو مذكر بمثل ما يذكر به المؤنث ، فقال : خضرة حلوة ، ولم يقل خضرا حلوا ، فكان ذلك عندنا والله أعلم على رده المال إلى الدنيا ، إذ كان المال لا يكون إلا فيها ، ووكد ذلك بما تؤكد العرب الأشياء التي تؤكدها ، فإنها كانت إذا أرادت ذلك استعملت فيه مثل [ ص: 400 ] هذا في الخير والشر جميعا ، فتقول في الخير : فلان علامة ، وفلان نسابة ، وتقول في الشر : فلان همزة ، فلان لمزة ، في أشياء من هذا النوع ، فيما ذكرناه منها كفاية والله نسأله التوفيق .

وقد روي هذا الحديث ، عن معاوية بن أبي سفيان ، عن رسول الله أيضا .

4894 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن معبد الجهني ، عن معاوية أنه كان لا يكاد يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ، وكان لا يدع هؤلاء الكلمات كل يوم جمعة ، يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإن هذا المال حلوة خضرة ، فمن أخذه بحقه بارك الله فيها ، وإياكم والتمادح ، فإنه الذبح .

التالي السابق


الخدمات العلمية