[ ص: 278 ]  756 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرمة صيد المدينة وفي الواجب على منتهكها فيه
 4790  - حدثنا محمد بن العباس بن الربيع اللؤلؤي  ، عن  علي بن معبد  ، وحدثنا  إبراهيم بن أبي داود  ، قال : حدثنا  عمرو بن عون الواسطي  قالا : حدثنا  أبو يوسف  ، عن  يزيد بن أبي زياد  ، عن  مجاهد  ، عن  ابن عباس  أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله - عز وجل - حرم مكة  يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر ، ووضعها بين هذين الأخشبين ، لم تحل لأحد قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا يرفع لقطتها إلا منشد " . فقال العباس   : إلا الإذخر فإنه لا غنى لأهل مكة  عنه لبيوتهم وقبورهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر   . 
 [ ص: 279 ] قال  أبو جعفر   : ففي هذا الحديث ، أن تحريم مكة  كان بتحريم الله إياها يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر ، ووضعه إياها بين الأخشبين اللذين وضعها بينهما . 
 4791  - وحدثنا  الربيع بن سليمان المرادي  ،  ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم  ،  وبحر بن نصر بن سابق  ، قال الربيع  وبحر   : حدثنا شعيب بن الليث  ، وقال محمد   : أخبرنا  أبي  وشعيب بن الليث  ، عن  الليث  ، عن أبي سعيد المقبري  ، عن أبي شريح الخزاعي  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله - عز وجل - حرم مكة  ، ولم يحرمها الناس ، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يسفكن فيها دما ، ولا يعضدن فيها شجرا ، فإن ترخص مترخص ، فقال : قد حلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس ، وإنما أحلها لي ساعة   . 
 4792  - وحدثنا محمد بن خزيمة  ، قال : حدثنا  مسدد  ، قال : حدثنا  يحيى بن سعيد  ، عن  ابن أبي ذئب  ، قال : حدثني  سعيد المقبري  ، قال : سمعت أبا شريح الكعبي  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  [ ص: 280 ] ثم ذكر مثله . 
 4793  - وحدثنا  بكار بن قتيبة  ، قال : حدثنا  أبو داود الطيالسي  ، قال : حدثنا  حرب بن شداد  ، عن  يحيى بن أبي كثير  ، قال : حدثني  أبو سلمة  ، قال : حدثني  أبو هريرة  ، قال : لما فتح الله - عز وجل - على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة  ، قتلت هذيل  رجلا من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن الله حبس عن أهل مكة  القتل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعتين من نهار ، وإنها بعد ساعتي هذه حرام لا يعضد شجرها ، ولا يختلى شوكها ، ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد   . 
 [ ص: 281 ] 
 4794  - حدثنا  محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي  ، قال : حدثنا  الوليد بن مسلم  ، عن  الأوزاعي  ، عن  يحيى  ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : إن الله - عز وجل - حبس عن أهل مكة  الفيل . 
 4795  - وحدثنا محمد بن خزيمة  ، قال : حدثنا  حجاج بن منهال   [ ص: 282 ]  وموسى بن إسماعيل المنقري  ، قالا : حدثنا  حماد بن سلمة  ، عن  محمد بن عمرو بن علقمة  ، عن  أبي سلمة  ، عن  أبي هريرة  ، قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجون  ، ثم قال : والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله - عز وجل - لم تحل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وما أحلت لي إلا ساعة من النهار ، وهي بعد ساعتها هذه حرام إلى يوم القيامة   . 
 4796  - وحدثنا  علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة  ، قال : حدثنا  ابن أبي مريم  ، قال : أخبرنا  ابن الدراوردي  ، قال : حدثنا  محمد بن عمرو  ، ثم ذكر بإسناده مثله . 
قال : ففي هذه الآثار أن مكة  حرام ، وأنها لم تحل لأحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الواجب على من انتهك حرمة صيدها الواجب على قاتل الصيد في الإحرام ، كما ذكره الله في كتابه بقوله :  [ ص: 283 ] لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم  الآية . 
وما أجمع أهل العلم جميعا على من فعل ذلك في حرمة مكة  وهو حلال من وجوب مثل ذلك عليه ، غير ما اختلفوا فيه من الصوم في ذلك ، ومن قول بعضهم : إنه لا يجزئ صوم ، وممن قال ذلك منهم  أبو حنيفة  وأصحابه ، ومن قول غيرهم : إن الصوم يجزئ في ذلك كما يجزئ في القتل في الإحرام ، وممن ذهب إلى ذلك منهم  مالك بن أنس  ، وهو القول عندنا في ذلك ، والله أعلم . 
ثم نظرنا فيما أنبأنا الله - عز وجل - في كتابه مما كان من إبراهيم  نبيه صلى الله عليه وسلم فيها من قوله : رب اجعل هذا البلد آمنا  ، ومن قوله : رب اجعل هذا بلدا آمنا  ، فلم يكن ذلك من التحريم الذي كان من الله - عز وجل - في شيء ، كما لم يكن الربا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الربا الذي حرمه الله - عز وجل - في كتابه في شيء ; لأن الربا الذي حرمه الله - عز وجل - في كتابه في النسيئة ، والذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في التفاضل ، وكان ما دعا به إبراهيم  صلى الله عليه وسلم لأهل مكة  هو الأمان الذي يبينون به عن سائر أهل البلدان سوى مكة  ، ودل على ذلك قوله - عز وجل - : أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم  ، وكان ذلك عندنا ، والله أعلم لما كان من دعاء إبراهيم  صلى الله عليه وسلم في الآيتين اللتين تلونا . ثم نظرنا إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه المدينة  كيف كان . 
 4797  - فوجدنا  علي بن معبد  قد حدثنا ، قال : حدثنا  أحمد بن  [ ص: 284 ] إسحاق الحضرمي  ، قال : حدثنا  وهيب بن خالد  ، قال : حدثنا عمرو بن يحيى المازني  ، عن عباد بن تميم  ، عن  عبد الله بن زيد  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبراهيم  حرم مكة  ، ودعا لهم ، وإني حرمت المدينة  ودعوت لهم بمثل ما دعا به إبراهيم  لأهل مكة  ، أن يبارك لهم في صاعهم ومدهم   . 
وكان في هذا الحديث ، ما قد دلنا على أن الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو مثل الذي كان من إبراهيم  صلى الله عليه وسلم في مكة  في أمان أهلها فيها ، وفي أن يكونوا في ذلك بخلاف من حولهم من الناس فيما سواها ، غير أنا وجدنا فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
 4798  - ما قد حدثنا علي بن شيبة  ، قال : حدثنا  قبيصة بن عقبة  ، قال : حدثنا  سفيان  ، عن  أبي الزبير  ، عن  جابر  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن إبراهيم  صلى الله عليه وسلم حرم بيت الله  وأمنه ، وإني حرمت المدينة  مما بين لابتيها لا يقطع عضاهها  [ ص: 285 ] ولا يصاد صيدها   . 
وكان في هذا الحديث تحريم ما بين لابتي المدينة  أن لا يقطع عضاهها ولا يصاد صيدها ، فاحتمل أن يكون ذلك زيادة زادها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدينته على ما كان من إبراهيم  صلى الله عليه وسلم في مكة  ، ودعاؤه الله - عز وجل - بذلك ، وإجابته إياه فيه . 
ثم نظرنا : هل حكم ما تنتهك حرمته بين لابتي المدينة  من الصيد والعضاه كما تنتهك في حرمة مكة  منهما ، وفي الواجب بذلك على منتهكهما . ؟ 
 4799  - فوجدنا  إبراهيم بن مرزوق  قد حدثنا ، قال : حدثنا  أبو عامر العقدي  ، قال : حدثنا  عبد الله بن جعفر الزهري  ، عن  إسماعيل بن محمد ، وهو ابن سعد بن أبي وقاص   - رضي الله عنه - عن  عامر بن سعد  أن  سعدا   - رضي الله عنه - ركب إلى قصره بالعقيق ، فوجد غلاما يقطع شجرا أو يخبطه ، فأخذ سلبه ، فلما رجع أتاه أهل الغلام ، فكلموه أن يرد ما أخذ من غلامهم ، فقال : معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه  [ ص: 286 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ، وأبى أن يرد إليهم   . 
قال  أبو جعفر   : هكذا حدثنا إبراهيم  بهذه الألفاظ . 
 4800  - وحدثنا  يزيد بن سنان   وإبراهيم بن مرزوق  قالا : حدثنا  وهب بن جرير  ، قال : حدثنا  أبي  ، قال : سمعت  يعلى بن حكيم  يحدث ، عن سليمان بن أبي عبد الله  ، قال : شهدت  سعد بن أبي وقاص   - رضي الله عنه - وأتاه قوم في عبد لهم  [ ص: 287 ] أخذ سعد  سلبه رآه يصيد في حرم المدينة  الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلموه أن يرد عليهم سلبه ، فأبى وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حد حدود حرم المدينة  ، فقال : من وجدتموه يصيد في شيء من هذه الحدود ، فمن وجده فله سلبه ، ولا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن إن شئتم أن أعوض لكم مكان سلبه فعلت   . واللفظ ليزيد   . 
 4801  - ووجدنا  إبراهيم بن أبي داود  قد حدثنا ، قال : حدثنا  سليمان بن حرب  ، قال : حدثنا  جرير بن حازم  ، عن  يعلى بن حكيم  ، عن سليمان بن أبي عبد الله  أن  سعد بن أبي وقاص   - رضي الله عنه - أخذ عبدا صاد في حرم المدينة  الذي حرم النبي صلى الله عليه وسلم فسلبه ثيابه ، فجاء مواليه إلى سعد  فكلموه ، فقال سعد   : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم هذا الحرم ، وقال : من أخذ يصيد فيه شيئا ، فلمن أخذه سلبه ، فلم أكن لأرد عليكم طعمة  [ ص: 288 ] أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن إن شئتم أعطيتكم ثمنه   . 
فكان في هذا ما قد دلنا أن الواجب في انتهاك الصيد والعضاه بين لابتي المدينة  غير الواجب في انتهاكهما في حرمة مكة   ; لأن الواجب في انتهاكهما في حرمة مكة  ما قد ذكرناه في هذا الباب في ذلك ، والواجب في انتهاك حرمتها من المدينة  هو ما قد ذكرناه في هذين الحديثين . 
ثم وجدنا فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتيا ، ويؤخذ العلم عنهم في الحرمين وفي سائر البلدان سواهما مجتمعين على : أن أخذ سلب منتهك حرمة الصيد والعضاه بالمدينة  غير مستعملة . 
فعقلنا بذلك : أن إجماعهم على ترك ما في هذين الحديثين كان لوقوفهم على نسخه ; لأنهم المأمونون على ما رووا وعلى ما قالوا ، ولأن من ترك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حكم به خارج من هذه الرتبة ، غير مقبول قوله ، وغير مستعملة روايته ، وحاش لله - عز وجل - أن يكونوا كذلك ، ولكن تركهم لذلك كان عندنا والله أعلم على مثل تركهم ما سواه ، مما قد روي في انتهاك الحرم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمثل ذلك ما روي عنه في مانع الزكاة : " إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا - عز وجل - " . 
وما روي عنه صلى الله عليه وسلم في حريسة الجبل أن فيها غرامة مثليها  [ ص: 289 ] وجلدات نكال . 
وما روي عنه فيمن وقع بجارية امرأته مستكرها لها أنها تعتق عليه ويكون عليه مثلها ، وأنه إن كان ذلك منه إليها وهي مطاوعة له كانت له ، وكان عليها مثلها لزوجته ، فألزم جارية فاسدة ، وجعل عليها مكانها جارية غير فاسدة ، وأعتقت عليه إذا كان وقع بها مستكرها لها ، فمثل ذلك والله أعلم ما روي من السلب ، فيما ذكرنا يحتمل أن يكون كان والأحكام فيه كذلك ، ثم نسخ بنسخ أشكاله التي ذكرناها في هذا الباب ، والله نسأله التوفيق . 
				
						
						
