( فصل فيمن لا يكون خصما ) .
( وإن قال المدعى عليه هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي ) [ ص: 239 ] وكذا إذا قال : آجرنيه وأقام البينة لأنه أثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة . وقال ابن شبرمة : لا تندفع الخصومة لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه ودفع الخصومة بناء عليه . قلنا : مقتضى البينة شيئان ثبوت الملك للغائب ولا خصم فيه فلم يثبت ، ودفع خصومة المدعي وهو خصم فيه فيثبت وهو كالوكيل بنقل المرأة وإقامتها البينة على الطلاق [ ص: 240 ] كما بيناه من قبل ، ولا تندفع بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى لأنه صار خصما بظاهر يده ، فهو بإقراره يريد أن يحول حقا مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بالحجة ، كما إذا ادعى تحول الدين من ذمته إلى ذمة غيره . وقال أبو يوسف رحمه الله : إن كان الرجل صالحا فالجواب كما قلناه ، وإن كان معروفا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله إلى مسافر يودعه إياه ويشهد عليه الشهود فيحتال لإبطال حق غيره ، فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله .
[ ص: 241 ] ( ولو قال الشهود : أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة ) لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي ، ولأنه ما أحاله إلى معين يمكن للمدعي اتباعه ، فلو اندفعت لتضرر به المدعي ، [ ص: 242 ] ولو قالوا نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه فكذلك الجواب عند محمد للوجه الثاني ، وعند أبي حنيفة تندفع لأنه أثبت ببينته أن العين وصل إليه من جهة غيره حيث عرفه الشهود بوجهه ، بخلاف الفصل الأول فلم تكن يده يد خصومة وهو المقصود ، والمدعي هو الذي أضر بنفسه حيث نسي خصمه أو أضره شهوده ، وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى وقد ذكرنا الأقوال الخمسة .


