3199 3200 3201 3202 3203 3204 3205 3206 ص: وكان من الحجة لهم في ذلك : أن حديث أبي هريرة الذي ذكرناه في الفصل الذي قبل هذا الفصل قد دخل فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - كما ذكروا ، وأصل حديث أبي هريرة ذلك من التبدئة بالرقبة إن كان المجامع لها واجدا ، والتثنية بالصيام بعدها إن كان المجامع للرقبة غير واجد ، والتثليث بالأطعام بعدهما إن كان المجامع لهما غير واجد ، هكذا أصل الحديث الذي رواه الزهري في ذلك ، وكذلك رواه سائر الناس غير مالك وابن جريج ، وبينوا فيه القصة بطولها كيف كانت ، وكيف أمر رسول الله - عليه السلام - بالكفارة في ذلك .
حدثنا فهد ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال : بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت ، فقال له رسول الله - عليه السلام - : ويلك ما لك ؟ ! قال : وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان ، فقال رسول الله - عليه السلام - : هل تجد رقبة تعتقها ؟ فقال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا والله يا رسول الله ، قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : لا يا رسول الله ، فسكت رسول الله - عليه السلام - فبينا نحن كذلك أتي رسول الله - عليه السلام - بعرق فيه تمر -والعرق : المكتل- فقال رسول الله - عليه السلام - : أين السائل آنفا ؟ خذ هذا فتصدق به ، فقال الرجل : أعلى أهل بيت أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أفقر من أهل بيتي ، فضحك رسول الله - عليه السلام - حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك " .
قال : فصارت الكفارة إلى عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا .
[ ص: 312 ] حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو اليمان ، قال : ثنا شعيب ، عن الزهري . . . فذكر بإسناده مثله .
فهذا هو الحديث على وجهه ، وإنما جاء حديث مالك وابن جريج في ذلك عن الزهري على لفظ قول الزهري في هذا الحديث ، فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا ، فالتخيير هو كلام الزهري على ما توهم من لم يحكم في حديثه عن حميد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - .
حدثنا إسماعيل بن يحيى ، قال : ثنا محمد بن إدريس ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري . . . فذكر بإسناده مثله ، غير أنه لم يذكر قوله : "فصارت سنة . . " إلى آخر الحديث .
حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا الحجاج بن منهال ، قال : ثنا سفيان . . . فذكر بإسناده مثله .
حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب ، قال : ثنا أيضا ، قال : سمعت النعمان بن راشد يحدث ، عن الزهري . . . فذكر بإسناده مثله .
حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا محمد بن في حفصة ، عن ابن شهاب . . . فذكر بإسناده مثله .
حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن الزهري . . . فذكر بإسناده مثله ، وقال : "خمسة عشر صاعا تمرا " ولم يشك .
حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا بشر بن بكر ، قال : حدثني الأوزاعي ، قال : سألت الزهري عن رجل جامع امرأته في شهر رمضان ، فقال : ثنا حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، قال : حدثني أبو هريرة . . . فذكر نحوه غير أنه لم يذكر الآصع .
فكان ما روينا في هذا الحديث قد دخل فيه ما في الحديثين الأولين ; لأن فيه أن النبي - عليه السلام - قال له : "أتجد رقبة ؟ قال : لا ، قال : فصم شهرين متتابعين قال : ما أستطيع ، قال : فأطعم ستين مسكينا " .
[ ص: 313 ] فكأن النبي - عليه السلام - إنما أمره بكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة لما لم يكن واجدا للصنف الذي ذكره له قبله ، فلما أخبره الرجل أنه غير قادر على شيء من ذلك ، أتي النبي - عليه السلام - بعرق فيه تمر ، فكان ذكر العرق وما كان من دفع النبي - عليه السلام - إياه إلى الرجل ، وأمره إياه بالصدقة هو الذي روته عائشة في حديثها الذي بدأنا بروايته ، فحديث أبي هريرة أولى منه ; لأنه قد كان قبل الذي في حديث عائشة شيء قد حفظه أبو هريرة ولم تحفظه عائشة ، فهو أولى ; لما قد زاده .
وأما حديث مالك وابن جريج فهما عن الزهري على ما ذكرنا ، وقد بينا العلة في ذلك فيما تقدم من هذا الباب ; فثبت بما ذكرنا من الكفارة في الإفطار بالجماع في الصيام في شهر رمضان ما في حديث منصور وابن عيينة ومن وافقهما ، عن الزهري عن حميد ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله .


