الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3101 ص: وأما وجهه من طريق النظر : فإنا قد رأينا الزكوات تجب في أشياء مختلفة منها الذهب والفضة ، والثمار التي تخرجها الأرض ، والنخل والشجر والمواشي السائمة ، وكل قد أجمع أن رجلا لو وجبت عليه زكاة ماله وهو ذهب أو فضة ،

                                                [ ص: 185 ] أو ماشية سائمة فسلم ذلك له المصدق على ما لا تجوز عليه البياعات أن ذلك غير جائز له ، ألا ترى أن رجلا لو وجبت عليه في دراهمه الزكاة فباع ذلك منه المصدق بذهب نسيئة أن ذلك لا يجوز ، وكذلك لو باع ذلك منه بذهب ثم فارقه قبل أن يقبضه لم يجز ذلك ، وكذلك لو وجبت عليه الزكاة في ماشيته ثم سلم ذلك له المصدق ببدل مجهول ; فذلك كله حرام غير جائز ، فكان كل ما حرم في البياعات في بيع الناس ذلك بعضهم من بعض قد دخل فيه حكم المصدق في بيعه إياه من رب المال الذي فيه الزكاة التي يتولى المصدق أخذها منه ، فلما كان ما ذكرنا كذلك في الأموال التي وصفنا ; كان النظر على ذلك أيضا أن يكون كذلك حكم الثمار ، فكما لا يجوز بيع رطب بتمر نسيئة في غير ما فيه الصدقات فكذلك لا يجوز فيما فيه الصدقات فيما بين المصدق وبين رب ذلك المال .

                                                فهذا هو النظر أيضا في هذا الباب ، وقد عاد ذلك إلى ما صرفنا إليه الآثار المروية عن رسول الله - عليه السلام - التي قدمنا ذكرها ، فبذلك نأخذ .

                                                وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وأما وجه هذا الباب من طريق القياس ، وملخصه : أن التصرف بين المصدق وبين أرباب الأموال الزكوية يعتبر بتصرفات المتبايعين ، فكل ما لا يجوز بين المتبايعين من التصرف ; كالبيع ببدل مجهول ، أو ببدل معلوم إلى وقت مجهول ، وكبيع الرطب بالتمر نسيئة ، وكبيع الدراهم بالدنانير نسيئة ، ونحو ذلك ; لا يجوز ذلك أيضا بين المصدق وأرباب الأموال ; لأن الخرص على الوجه الذي ذكره أهل المقالة الأولى هو بيع الرطب بالتمر نسيئة ، وبيع العنب بالزبيب كذلك ، وهو عين الربا .

                                                قوله : "فبذلك نأخذ " إشارة على أنه اختار قول أهل المقالة الثانية ، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه .




                                                الخدمات العلمية