الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3249 3250 3251 ص: وقد سأل حمزة الأسلمي رسول الله - عليه السلام - عن الصوم في السفر فقال له : "إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " .

                                                حدثنا بذلك علي بن شيبة ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا سعيد وهشام بن أبي عبد الله ، عن قتادة ، عن سليمان بن يسار ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي بذلك .

                                                [ ص: 364 ] حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا عبد الحميد بن جعفر ، قال : حدثني عمران بن أبي أنس ، عن سليمان بن يسار ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي ، مثله .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي - عليه السلام - : "أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله - عليه السلام - : أصوم في السفر ؟ -وكان كثير الصيام- فقال له النبي - عليه السلام - : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " .

                                                فهذا رسول الله - عليه السلام - قد أباح الصوم في السفر لمن شاء ذلك .

                                                فثبت بهذا وبما ذكرنا قبله أن صوم رمضان في السفر جائز .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا تأكيدا للحديث السابق ; لأن ذاك فعل الرسول - عليه السلام - ، وهذا قوله .

                                                ولما اجتمع قول النبي - عليه السلام - وفعله في حكم قويت الحجة به ، وأشار إلى ذلك بقوله : "فثبت بهذا " أي : بحديث حمزة بن عمرو "وبما ذكرنا قبله " أي : حديث ابن مسعود وعائشة "أن صوم رمضان في السفر جائز " .

                                                وأخرجه من ثلاث طرق صحاح :

                                                الأول : عن علي بن شيبة . . . إلى آخره .

                                                وكلهم ثقات قد ذكروا غير مرة .

                                                وحمزة بن عمرو بن عويمر الأسلمي الصحابي - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه الجماعة على ما نذكره .

                                                وأخرجه النسائي بهذا الطريق : أنا محمد بن رافع ، قال : أنا أزهر بن القاسم ، قال : نا هشام ، عن قتادة ، عن سليمان بن يسار ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي : "أنه

                                                [ ص: 365 ] سأل رسول الله - عليه السلام - عن الصوم في السفر ، قال : إن . . . ثم ذكر كلمة معناها : إن شئت صمت ، وإن شئت أفطرت "
                                                .

                                                وأخرجه من وجوه متعددة .

                                                الثاني : عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي ، عن أبي بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي البصري أحد أصحاب أبي حنيفة وشيخ أحمد ، عن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله المدني ، عن عمران بن أبي أنس المصري العامري ، عن سليمان بن يسار ، عن حمزة بن عمرو . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه النسائي أيضا : أنا هارون بن عبد الله ، قال : نا محمد بن بكر ، قال : أنا عبد الحميد بن جعفر ، قال : أخبرني عمران بن أبي أنس ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن حمزة بن عمرو : "أنه سأل رسول الله - عليه السلام - عن الصوم في السفر ، قال : إن شئت أن تصوم فصم ، وإن شئت أن تفطر فأفطر " .

                                                أنا عمران بن بكار قال : ثنا أحمد بن خالد ، قال : ثنا محمد ، عن عمران بن أبي أنس ، عن سليمان بن يسار وحنظلة بن علي ، قال : حدثاني جميعا عن حمزة بن عمرو قال : "كنت أسرد الصيام على عهد رسول الله - عليه السلام - ، فقلت : يا رسول الله إني أسرد الصيام في السفر ، فقال : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " .

                                                الثالث : عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه البخاري : عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك . . . إلى آخره نحوه .

                                                ومسلم : عن قتيبة بن سعيد ، عن ليث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن

                                                [ ص: 366 ] عائشة أنها قالت : "سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله - عليه السلام - عن الصيام في السفر ، فقال : إن شئت صم وإن شئت فأفطر " .

                                                وله في رواية : "إني رجل أسرد الصوم ، أفأصوم في السفر ؟ قال : صم إن شئت ، وأفطر إن شئت " .

                                                وفي رواية : "يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " .

                                                وأبو داود : عن سليمان بن حرب ومسدد ، قالا : نا حماد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : "أن حمزة الأسلمي سأل النبي - عليه السلام - فقال : يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم ، أفأصوم في السفر ؟ قال : صم إن شئت ، وأفطر إن شئت " . والترمذي : عن هارون بن إسحاق الهمداني ، قال : ثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : "أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله - عليه السلام - عن الصوم في السفر -وكان يسرد الصوم - فقال رسول الله - عليه السلام - : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " .

                                                وقال : هذا حديث حسن صحيح .

                                                وابن ماجه : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، نا عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : "سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله - عليه السلام - فقال : إني أصوم ، أفأصوم في السفر ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر " .

                                                فإن قيل : حديث حمزة هذا لا يدل على جواز الصوم في شهر رمضان في السفر ; لأن سؤاله كان في صوم التطوع في السفر .

                                                [ ص: 367 ] وقال القاضي : قوله : "إني رجل أسرد الصوم " ، وقوله أيضا : "إني رجل أصوم في السفر " ، يدل ظاهرا أنه سأله عن التطوع .

                                                وقال ابن حزم : وأما خبر حمزة فبيان جلي في أنه إنما سأله - عليه السلام - عن التطوع ; لقوله في الخبر : "إني امرؤ أسرد الصوم ، أفأصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام " .

                                                قلت : لا نسلم أن سؤاله كان عن التطوع ، بل لم يكن سؤاله إلا عن الصوم في رمضان في السفر .

                                                والدليل عليه ما رواه أبو داود : ثنا عبيد الله بن محمد النفيلي ، قال : نا محمد بن عبد المجيد المدني ، قال : سمعت حمزة بن محمد بن حمزة الأسلمي ، يذكر أن أباه أخبره ، عن جده : "قلت : يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه ، أسافر عليه وأكريه ، وإنه ربما صادفني هذا الشهر -يعني رمضان- فأنا أجد القوة وأنا شاب وأجدني أن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أؤخره فيكون دينا ، أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر ؟ قال : أي ذلك شئت يا حمزة " .




                                                الخدمات العلمية