الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3256 3257 ص: وكان أيضا مما احتج به من كره الصوم في السفر : ما حدثنا يونس ، قال : ثنا عبد الله بن يوسف . (ح)

                                                وحدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا شعيب بن الليث ، قالا : ثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن منصور الكلبي : "أن دحية بن خليفة خرج من قريته بدمشق إلى قدر قرية عقبة في رمضان ، فأفطر وأفطر معه ناس ، وكره آخرون أن يفطروا ، فلما رجع إلى قريته قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أن أراه : إن

                                                [ ص: 371 ] قوما رغبوا عن هدي رسول الله - عليه السلام - وأصحابه ، يقول ذلك للذين صاموا ، ثم قال : اللهم اقبضني إليك " .

                                                فكان من الحجة للذين استحبوا الصوم في السفر في هذا الحديث أن دحية إنما ذم من رغب عن هدي رسول الله - عليه السلام - وأصحابه ، فمن صام في سفره كذلك فهو مذموم ، ومن صام في سفر غير راغب عن هديه بل على التمسك بهديه فهو محمود .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وكان أيضا من الذي احتج به من كان يكره الصوم في السفر حديث دحية بن خليفة الكلبي الصحابي الذي كان جبريل - عليه السلام - يأتي النبي - عليه السلام - في صورته ، ويجوز في داله الفتح والكسر .

                                                وأخرجه من طريقين :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن يوسف التنيسي شيخ البخاري ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري ، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري ، عن منصور بن سعيد بن الأصبغ الكلبي .

                                                وهؤلاء كلهم رجال الصحيح ما خلا منصورا وهو أيضا ثقة وثقه ابن حبان .

                                                الثاني : عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن شعيب بن الليث ، عن الليث بن سعد . . . إلى آخره .

                                                والطريقان صحيحان .

                                                فإن قيل : كيف تقول ذلك ، وقد قال الخطابي : وهذا الحديث ليس بالقوي ، في إسناده رجل ليس بالمشهور ، يشير به إلى منصور الكلبي .

                                                [ ص: 372 ] قلت : ليس الأمر كذلك ، وإنما هو مشهور ، وقد وثقه ابن حبان ، وقال العجلي : تابعي ثقة .

                                                وأخرج أبو داود حديثه : ثنا عيسى بن حماد ، قال : أنا الليث -يعني ابن سعد - عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن منصور الكلبي : "أن دحية بن خليفة خرج من قريته من دمشق إلى قدر قرية عقبة من الفسطاط ، وذلك ثلاثة أميال ، وذلك في رمضان ، ثم إنه أفطر وأفطر معه ناس ، وكره آخرون أن يفطروا ، فلما رجع إلى قريته قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أن أراه ; إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله - عليه السلام - وأصحابه- يقول ذلك للذين صاموا ، ثم قال عند ذلك : اللهم اقبضني إليك " .

                                                وأخرجه البيهقي أيضا في "سننه " نحوه من حديث الليث بن سعد .

                                                قوله : "خرج من قريته بدمشق " وكانت قريته هي التي تدعى اليوم قرية المزة .

                                                قوله : "قدر قرية عقبة " وهو عقبة بن عامر الجهني ، أراد قدر قرية عقبة من الفسطاط ، وذلك ثلاثة أميال كما ذكر ذلك في رواية أبي داود ، وقرية عقبة هي التي تسمى اليوم منية عقبة من بلاد جيزة ، والمراد من الفسطاط هي مدينة مصر .

                                                قوله : "عن هدي رسول الله - عليه السلام - " بفتح الهاء وسكون الدال ، وهو السيرة والهيئة والطريقة ، أراد أن قوما رغبوا ، أي أعرضوا عن طريقة رسول الله - عليه السلام - وسنته وخصلته التي كان يفعلها ، يقال : هدي هدي فلان : إذا سار بسيرته ، ومنه الحديث : "اهدوا هدي عمار " أي : سيروا بسيرته وتهيئوا بهيئته ، ومنه حديث ابن مسعود : "إن أحسن الهدي هدي محمد " .

                                                قوله : "فكان من الحجة للذين استحبوا الصوم في السفر . . . إلى آخره " .

                                                [ ص: 373 ] أراد بها الجواب عن ذلك ، بيانه : أن دحية إنما ذم من كان يرغب عن هدي رسول الله - عليه السلام - وسمته ، وعن هدي الصحابة - رضي الله عنهم - ، فكل من صام في سفره ، وهو راغب عن هديه - عليه السلام - فهو مذموم بلا شك ، وكل من صام وهو غير راغب عن هديه بل كائنا على التمسك بهديه فهو محمود غير مذموم .

                                                وقال البيهقي : وما روي عن دحية إن صح فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر ، وأراد بقوله : "رغبوا عن هدي رسول الله - عليه السلام - وأصحابه " ، أي : في قبول الرخصة لا في تقدير السفر .

                                                وقال الذهبي في "مختصر سننه " : بل رغبوا عن هذا مع هذا .

                                                قلت : يمكن أن يقال : إن دحية كان يرى هذا المقدار من السفر مبيحا للفطر ، وهؤلاء الذين صاموا لا يرون ذلك ، فاعتقد دحية أنهم يرون أيضا مثل رأيه وصاموا راغبين عن الرخصة ; فلذلك ذمهم ، فافهم .




                                                الخدمات العلمية