الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3110 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله- : فذهب قوم إلى هذه الآثار ، فقالوا في صدقة الفطر : من أحب أن يعطيها من الحنطة أعطاها صاعا ، وكذلك إن أحب أن يعطيها من الشعير أو التمر أو الزبيب .

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء : أبا العالية ومسروقا وأبا قلابة ومالكا والشافعي وأحمد وإسحاق ; فإنهم ذهبوا إلى الأحاديث المذكورة ، وقالوا : صدقة الفطر صاع سواء كانت من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب .

                                                وقال أبو عمر : قال الأوزاعي : يؤدي كل إنسان مدين من قمح بمد أهل بلده ، وقال الليث : مدين من قمح بمد هشام وأربعة أمداد من التمر والشعير والأقط .

                                                وقال أبو ثور : الذي يخرج في زكاة الفطر صاع من تمر أو شعير أو طعام أو زبيب أو أقط إن كان بدويا ، ولا يعطى قيمة شيء من هذه الأصناف وهو يجدها .

                                                وقال أبو عمر : سكت أبو ثور عن ذكر البر ، وكان أحمد بن حنبل يستحب إخراج التمر .

                                                والأصل في هذا الباب : اعتبار القوت ، وأنه لا يجوز إلا الصاع منه . وهذا قول مالك والشافعي .

                                                والوجه الآخر : اعتبار التمر والشعير والزبيب أو قيمتها على ما قاله الكوفيون .

                                                [ ص: 195 ] وقال القاضي : واختلف في النوع المخرج ، فأجمعوا أنه يجوز البر والشعير والزبيب والتمر إلا خلافا في البر لمن لا يعتد بخلافه ، وخلافا في الزبيب لبعض المتأخرين ، وكلاهما مسبوق بالإجماع ، مردود قوله به .

                                                وأما الأقط فأجازه مالك والجمهور ومنعه الحسن ، واختلف فيه قول الشافعي .

                                                وقال أشهب : لا يخرج إلا هذه الخمسة ، وقاس مالك على هذه الخمسة كل ما هو عيش أهل بلده من القطاني وغيرها . وعن مالك قول آخر : أنه لا يجزئ غير المنصوص عليه في الحديث وما في معناه ، ولم يجز عامة العلماء إخراج القيمة ، وأجازه أبو حنيفة .

                                                وقال النووي : قال أصحابنا : جنس كل حب يجب فيه العشر ، ويجزئ الأقط على المذهب ، والأصح أنه يتعين عليه غالب قوت البلدة .

                                                الثاني : يتعين قوت نفسه .

                                                والثالث : يتخير بينهما ، فإن عدل عن الواجب إلى أعلى منه أجزأه ، وإن عدل إلى أدناه لم يجزه .

                                                قلت : قال أصحابنا : دفع الحنطة أفضل في الأحوال كلها سواء كان أيام الشدة أو لم يكن ، ودقيق الحنطة وسويقها كالحنطة ، ودقيق الشعير وسويقه كالشعير ، وإن أراد أن يعطي من الحبوب من جنس آخر يعطى بالقيمة ; لأنه ليس بمنصوص عليه .

                                                وقال ابن حزم في "المحلى " : زكاة الفطر في رمضان فرض واجب على كل مسلم كبير أو صغير ذكر أو أنثى حر أو عبد ، وإن كان جنينا في بطن أمه ، عن كل واحد صاع من تمر أو شعير . والصاع أربعة أمداد بمد النبي - عليه السلام - ، ولا يجزئ شيء غير ما ذكرنا لا قمح ولا دقيق قمح أو شعير ، ولا خبز ولا قيمته ، ولا شيء ، غير ما

                                                [ ص: 196 ] ذكرنا . ثم قال : وأجاز قوم أشياء غير ما أمر به رسول الله - عليه السلام - فقال قوم : يجزئ فيها القمح ، وقال آخرون : والزبيب والأقط .




                                                الخدمات العلمية