الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3329 ص: وكان من حجة الأولين عليهم : أن الذي روي في هذه الأخبار إنما هو إخبار عن فعله - عليه السلام - وما قبل ذلك مما فيه النهي إخبار عن قوله : فكان ينبغي أن يصحح الحديثان جميعا فيجعل ما فعله رسول الله - عليه السلام - مباحا له ، وما نهى عنه كان محظورا على غيره ، فيكون حكم غيره في ذلك خلاف حكمه حتى يصح الحديثان ولا يتضادان .

                                                فكان من الحجة عليهم في ذلك : أن في حديث أسامة عن رسول الله - عليه السلام - أنه قال في شعبان : "هو شهر يغفل الناس عن صومه " فدل ذلك أن صومه إياه أفضل من الإفطار .

                                                [ ص: 459 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 459 ] ش: أي : وكان من حجة أهل المقالة الأولى على أهل المقالة الثانية ، وهذا اعتراض منهم يرد على أهل المقالة الثانية ، بيانه : أن ما رويتم من الأحاديث التي تدل على أن لا بأس بالصوم في النصف الأخير من شعبان إنما هو إخبار عن فعل رسول الله - عليه السلام - وحكاية عن حاله .

                                                وما روينا من الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان إنما هو إخبار عن قوله ، فوقع التعارض بينهما ، فينبغي أن يصحح الحديثان على وجه يرتفع التضاد والتعارض على ما هو الأصل في ذلك ، وذلك بأن يجعل ما هو إخبار عن فعله مباحا له على الخصوصية ، وما فيه إخبار عن نهيه - عليه السلام - يجعل محظورا على غيره ، يعني ممنوعا مكروها في حق غيره ، فيكون حكم غير النبي - عليه السلام - في ذلك خلاف حكم النبي - عليه السلام - .

                                                فبهذا التوفيق يرتفع التضاد .

                                                وأجاب عنه بقوله : "فكان من الحجة عليهم في ذلك . . . " إلى آخره .

                                                بيانه : أن حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنها - يدل على أن صوم غير النبي - عليه السلام - أيضا في شعبان أفضل من الإفطار فيه ; حيث قال : "هو شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترتفع فيه الأعمال . . . " الحديث ; وذلك لأن هذا حث وتحضيض وترغيب أن لا يغفلوا عن صوم شهر شعبان ليكونوا صائمين وقت ارتفاع أعمالهم إلى الله ، كما أشار إليه في آخر الحديث : "أحب أن يرفع عملي وأنا صائم " .

                                                فإن قيل : فعلى هذا : التعارض باق ولم يندفع بما ذكرتم .

                                                قلت : لا نسلم ذلك ; لأن حديث أبي هريرة الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان محمول على أنه قد خرج على سبيل الإشفاق على صوام رمضان ; لئلا يدخلهم ضعف في صوم رمضان ، وقد مر الكلام فيه مستوفى في أول الباب .




                                                الخدمات العلمية