الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                [ ص: 126 ] 3070 ص: حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا الحكم بن موسى ، قال : ثنا يحيى بن حمزة ، قال : ثنا سليمان بن داود ، قال : حدثني الزهري ، عن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن ، فكتب فيه : لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الغنم " .

                                                التالي السابق


                                                ش: الحكم بن موسى بن أبي زهير البغدادي أبو صالح القنطري شيخ مسلم وأبي داود وأبي يعلى وأحمد وأبي زرعة والبخاري في "التعليق " ، وروى النسائي وابن ماجه عن رجل عنه .

                                                ويحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي ، وثقه ابن معين ، وعنه : كان قدريا ، روى له الجماعة .

                                                وسليمان بن داود أبو داود الخولاني الدمشقي الداراني ، قال ابن حبان : ثقة مأمون . وقال الدارقطني : ليس به بأس . وقال ابن خزيمة : لا يحتج بحديثه إذا انفرد . روى له النسائي .

                                                والزهري هو محمد بن مسلم روى له الجماعة .

                                                وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني ، يقال : اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد ، ويقال : اسمه وكنيته واحد ، روى له الجماعة .

                                                وأبوه محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني ، ولد في حياة النبي - عليه السلام - وهو كناه أبا عبد الملك على قول ، وقال ابن سعد : كان رسول الله - عليه السلام - استعمل عمرو بن حزم على نجران اليمن ، فولد له هناك على عهد رسول الله - عليه السلام - سنة عشر من الهجرة غلام ، فأسماه محمدا وكناه أبا سليمان ، وكتب بذلك إلى رسول الله - عليه السلام - فكتب إليه رسول الله - عليه السلام - : أن سمه محمدا وكنه أبا عبد الملك ففعل ، وقتل يوم الحرة بالمدينة في خلافة يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين ، روى له النسائي وابن ماجه .

                                                وجده هو عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الأنصاري الصحابي - رضي الله عنه - .

                                                [ ص: 127 ] والحديث أخرجه البيهقي في "سننه " مطولا : من حديث الحكم بن موسى ، نا يحيى بن حمزة ، عن سليمان بن داود ، حدثني الزهري ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده : "أن رسول الله - عليه السلام - كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم وقرئت على أهل اليمن ، وهذه نسختها : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل : ذي رعين ومعافر وهمدان . أما بعد فقد رفع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله ، وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار ، ما سقت السماء وكان سيحا أو كان بعلا ففيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق ، وما سقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق ، وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعا وعشرين ، فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها ابنة مخاض ، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا زادت ففيها ابنة لبون إلى أن تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا زادت ففيها حقة طروقة الجمل إلى أن تبلغ ستين ، فإن زادت ففيها جذعة إلى أن تبلغ خمسا وسبعين ، فإن زادت ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين ، فإن زادت ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة ، فما زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة طروقة الجمل ، وفي كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة ، وفي كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث إلى أن تبلغ ثلاثمائة ، فإن زادت ففي كل مائة شاة شاة ، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا عجفاء ولا ذات عوار ولا تيس الغنم ، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية . وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم ، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون خمس أواق شيء ، وفي كل أربعين دينارا

                                                [ ص: 128 ] دينار ، وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته ، إنما هي الزكاة تزكى بها أنفسكم ، ولفقراء المؤمنين وفي سبيل الله . وليس في رقيق ولا مزرعة ولا عمالها شيء إذا كانت تؤدي صدقتها من العشر ، وإنه ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شيء .

                                                قال يحيى : أفضل ثم قال : كان في الكتاب : إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة إشراك بالله ، وقتل النفس المحرمة بغير حق ، والفرار في سبيل الله يوم الزحف ، وعقوق الوالدين ، ورمي المحصنة ، وتعلم السحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وإن العمرة الحج الأصغر ، ولا يمس القرآن إلا طاهر ، ولا طلاق قبل إملاك ، ولا عتاق حتى يبتاع . ولا يصلين أحد منكم في ثوب واحد ليس على منكبه شيء ، ولا يحتبين في ثوب واحد ليس بين فرجه وبين السماء شيء ، ولا يصلين أحدكم في ثوب واحد وشقه باد ، ولا يصلين أحد منكم عاقص شعره ، وكان في الكتاب : إن من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول ، وإن في النفس الدية مائة من الإبل ، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية ، وفي اللسان الدية ، وفي البيضتين الدية ، وفي الذكر الدية ، وفي الصلب الدية ، وفي العينين الدية ، وفي الرجل الواحدة نصف الدية ، وفي المأمومة ثلث الدية ، وفي الجائفة ثلث الدية ، وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل ، وفي كل أصبع من الأصابع من اليد والرجل عشر من الإبل ، وفي السن خمس من الإبل ، وفي الموضحة خمس من الإبل ، وإن الرجل يقتل بالمرأة ، وعلى أهل الذهب ألف دينار " .


                                                وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده " نحوه ، عن الحكم بن موسى .

                                                وقال البغوي : سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن هذا الحديث فقال : أرجو أن يكون صحيحا .

                                                وقال ابن عدي : قد روى عن سليمان بن داود يحيى بن حمزة وصدقة بن عبد الله من الشاميين .

                                                [ ص: 129 ] وللحديث أصل رواه معمر ، عن الزهري ، عن أبي بكر بن محمد مرسلا . وجوده سليمان

                                                وقال البيهقي : قد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا : أبو زرعة الرازي وأبو حاتم وعثمان الدارمي وجماعة .

                                                وأخرجه أبو داود في "المراسيل " : عن الحكم ، ثم قال : وهم الحكم في قوله : ابن داود . ورواه محمد بن بكار بن بلال وأخوه ، عن يحيى بن حمزة ، قال : حدثني سليمان بن أرقم ، عن الزهري .

                                                وقال أبو هبيرة : قرأت في أصل يحيى بن حمزة هذا الحديث : حدثني سليمان بن أرقم .

                                                وقال الذهبي : سليمان واه تركه النسائي ، وقال النسائي : قال مروان بن محمد الطاطري ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، قال : "جاءني أبو بكر بن حزم بكتاب في أدم . . . " فذكر بعض الحديث ولم يسنده .

                                                وروى منه ابن القاسم ، عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه مرسلا .

                                                وروى عبد الله بن نمير ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب "أنه وجد الكتاب الذي عند آل عمرو بن حزم . . . " فذكر شيئا منه .

                                                وقال الذهبي في "مختصر سنن البيهقي " : هو كتاب محفوظ يتداوله آل حزم ، وإنما الشأن في إيصال سنده .

                                                وقال أبو الحسن الهروي : الحديث في أصل يحيى بن حمزة ، عن سليمان بن أرقم ، غلط عليه الحكم .

                                                وقال ابن منده : رأيت في كتاب يحيى بن حمزة بخطه ، عن سليمان بن أرقم ، عن الزهري ، وهو الصواب .

                                                [ ص: 130 ] وقال صالح جزرة : ثنا دحيم قال : نظرت في أصل كتاب يحيى : حديث عمرو بن حزم في الصدقات ، فإذا هو عن سليمان بن أرقم . قال صالح فكتب هذا الكلام عني مسلم بن الحجاج .

                                                وقال الذهبي : يرجح أن الحكم وهم ولا بد ، فالحديث إذا ضعيف الإسناد .

                                                وقال ابن معين : سليمان الخولاني لا يعرف والحديث لا يصح ، وقال مرة : ليس بشيء . ومرة : شامي ضعيف . وقال ابن حنبل : ليس بشيء .

                                                وفي "التمهيد " لابن عبد البر : قال أحمد بن زهير : سمعت ابن معين يقول : سليمان بن داود الذي يروي عن الزهري حديث الصدقات والديات مجهول لا يعرف . وقال الطحاوي : سمعت ابن أبي داود يقول : سليمان بن داود وسليمان بن أبي داود الحراني ضعيفان جميعا .

                                                قوله : "قيل ذي رعين " القيل : ملك من ملوك حمير دون الملك الأعظم ، وأصله قيل بالتشديد كأنه الذي له قول منفذ ، والجمع : أقوال وأقيال أيضا ، ومن جمعه على أقيال لم يجعل الواحد منه مشددا . ذكره الجوهري في الأجوف الواوي .

                                                و"ذو رعين " ملك من ملوك حمير ، ورعين حصن كان له ، وهو من ولد الحارث بن عمرو بن حمير بن سبأ ، وهم آل ذي رعين وشعب ذي رعين .

                                                قوله : "ومعافر " بفتح الميم : حي من همدان لا ينصرف في معرفة ولا نكرة ، وهمدان -بسكون الميم- قبيلة من اليمن .

                                                قوله : "سيحا " بفتح السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وهو الماء الجاري .

                                                و"البعل " : بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة وهو النخل الذي يشرب بعروقه فيستغني عن السقي .

                                                قال أبو عمرو : البعل العذي وهو ما سقته السماء .

                                                وقال الأصمعي : العذي ما سقته السماء ، والبعل ما يشرب بعروقه من غير سقي ولا سماء .

                                                [ ص: 131 ] قوله : "خمسة أوسق " جمع وسق بفتح الواو وكسرها لغتان والفتح أشهر ، ويقال بالفتح يجمع على أوسق وبالكسر على أوساق .

                                                والوسق ستون صاعا كل صاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي ، فتكون ثلاثمائة وعشرين رطلا ، هذا مذهب أهل الحجاز ، ومذهب أهل العراق : الصاع ثمانية أرطال ، فتكون الجملة أربعمائة وثمانين رطلا .

                                                قوله : "بالرشاء " بكسر الراء والمد ، وهو الحبل .

                                                و"الدالية " المنجنون التي تديرها البقرة .

                                                قوله : "طروقة الجمل " طروقة فعولة بمعنى مفعولة ، أي مركوبة للجمل ، وكل امرأة طروقة زوجها ، وكل ناقة طروقة فحلها .

                                                قوله : "باقورة " الباقورة بلغة أهل اليمن : البقر .

                                                قوله : "ولا يجمع بين متفرق " صورته أن يكون لهذا أربعون شاة ولذاك أربعون أيضا وللآخر أربعون فجمعوها حتى لا تكون فيها إلا شاة .

                                                قوله : "ولا يفرق بين مجتمع " صورته أن يكون شريكان ولكل واحد منهما مائة شاة وشاة فيكون عليهما في ماليهما ثلاث شياه ، ثم يفرقان عنهما عند طلب الساعي الزكاة فلم يكن على كل منهما إلا شاة واحدة .

                                                قوله : "وما أخذ من خليطين " معناه أن يكونا شريكين في إبل تجب فيها الغنم ، فتؤخذ الإبل في يد أحدهما ، فتؤخذ منه صدقتها ، فإنه يرجع بها على شريكه بحصته على السوية .

                                                قوله : "الورق " بكسر الراء وهي الفضة .

                                                قوله : "من اعتبط مؤمنا قتلا فإنه قود " أي : قتله بلا جناية كانت منه ولا جريرة توجب قتله ; فإن القاتل يقاد به ويقتل ، وكل من مات بغير علة فقد اعتبط ، ومات فلان عبطة أي : شابا صحيحا ، وعبطت الناقة واعتبطتها إذا ذبحتها من غير مرض .

                                                [ ص: 132 ] قوله : "وفي الأنف إذا أوعب جدعه " أي قطع جميعه وفي رواية "إذا استوعب جدعه " وكلاهما على صيغة المجهول .




                                                الخدمات العلمية