الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3305 3306 3307 3308 3309 3310 3311 3312 3313 3314 ص: فإنه قد حدثنا فهد ، قال : ثنا محمد بن سعيد ، قال : ثنا عبدة بن سليمان ، عن سعيد -وهو ابن أبي عروبة - عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله ابن عمرو - رضي الله عنهما - ، قال : "دخل النبي - عليه السلام - على جويرية يوم الجمعة وهي صائمة ، فقال لها : أصمت أمس ؟ قالت : لا ، قال : أفتصومين غدا ؟ قالت : لا ، قال : فأفطري إذا " .

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : ثنا شعبة ، عن قتادة ، قال : سمعت أبا أيوب العتكي يحدث ، عن جويرية : "أن النبي - عليه السلام - دخل عليها . . . " ثم ذكر مثله .

                                                [ ص: 423 ] حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال : ثنا شعبة وحماد بن سلمة وهمام ، عن قتادة . . . فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - عليه السلام - قال : " لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله يوما أو بعده يوما " .

                                                حدثنا بكر بن إدريس ، قال : ثنا آدم ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنا عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت رجلا من بني الحارث بن كعب يحدث ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - بمثل معناه .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا محمد بن سعيد ، قال : نا شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زياد الحارثي ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا القاسم بن سلام بن مسكين ، قال : ثنا أبي ، قال : "سألت الحسن عن صيام يوم الجمعة ، فقال : نهي عنه إلا في أيام متتابعة ، ثم قال : حدثني أبو رافع ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - عليه السلام - نهى عن صيام يوم الجمعة إلا في أيام قبله أو بعده " .

                                                حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : حدثني ابن لهيعة ، قال : ثنا يزيد بن أبي حبيب ، أن أبا خير حدثه ، أن حذيفة البارقي حدثه ، أن جنادة بن أبي أمية الأزدي حدثه : "أنهم دخلوا على رسول الله - عليه السلام - في يوم جمعة ، فقرب إليهم طعاما ، فقال : كلوا ، فقالوا : نحن صيام ، فقال : أصمتم أمس ؟ قالوا : لا قال : أفتصومون أنتم غدا ؟ قالوا : لا ، قال : فأفطروا " .

                                                حدثنا بحر بن نصر ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : ثنا معاوية بن صالح ، عن أبي بشر ، عن عامر الأشعري : "أنه سأل أبا هريرة عن صيام يوم الجمعة فقال : على الخبير وقعت ، سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : إن يوم الجمعة عيدكم ، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده .

                                                [ ص: 424 ] فكما كره أن يقصد إلى يوم الجمعة بعينه بصيام إلا أن يخلط بيوم قبله أو بيوم بعده ، فيكون قد دخل في صوم قد صار منه ، فكذلك عندنا سائر الأيام لا ينبغي أن يقصد إلى صوم يوم منها بعينه ، كما لا ينبغي أن يقصد إلى صوم يوم عاشوراء أو يوم الجمعة لأعيانهما ، ولكن يقصد إلى الصيام في أي الأيام كان ، ولكن إنما أريد بما ذكرنا من الكراهة التي وصفنا : التفرقة بين شهر رمضان وبين سائر ما يصوم الناس غيره ; لأن شهر رمضان مقصود بصومه إلى شهر بعينه ; لأن فريضة الله -عز وجل- على عباده صومهم إياه بعينه إلا من عذر منهم بمرض أو سفر ، وغيره من المشهور ليس كذلك ، فهذا وجه ما روي في صوم يوم عاشوراء عن رسول الله - عليه السلام - ، قد بيناه في هذا الباب وشرحناه .

                                                التالي السابق


                                                ش: "الفاء " في "فإنه " للتعليل ، والضمير للشأن ، وأشار به إلى بيان الدليل لقوله "كما جاء عنه في صوم يوم الجمعة " .

                                                وأخرج في ذلك عن عبد الله بن عمرو وجويرية بنت الحارث وأبي هريرة وجنادة بن أبي أمية - رضي الله عنهم - ، وأخبر في أحاديثهم كراهة القصد إلى صوم يوم الجمعة بعينه إلا أن يكون يوم قبله أو يوم بعده حتى يكون هو في صوم يكون صوم يوم الجمعة جزءا منه ، وهو معنى قوله : "فيكون قد دخل في صوم قد صار منه " وفي بعض النسخ : "حتى صار منه " والأول أقرب .

                                                وكذا سائر الأيام إذا أراد أن يصوم فيها لا ينبغي أن يقصد يوما بعينه لما فيه من التشبيه لأهل الكتاب ; لأن من عادتهم الصوم في يوم بعينه قصدا ، ولا سيما كانوا يفعلون ذلك في يوم عاشوراء ، وكذلك صوم يوم الجمعة بقصد بعينه ; لما فيه من التشبيه لهم أيضا ، اللهم إلا إذا صام يوما قبله أو يوما بعده ، ولكن يستثنى من هذا الحكم شهر رمضان ; لأن الله تعالى فرض صومه علينا بعينه إلا فيمن كان معذورا بمرض أو سفر ، فقصد تعيينه لا يؤثر شيئا في الكراهة ; لأنه بتعيين الشارع ، وذلك لا يوصف بالكراهة ، بخلاف غيره من الشهور والأيام حيث يؤثر التعيين فيه قصدا في الكراهة لما ذكرنا .

                                                [ ص: 425 ] وقال المهلب : وجه النهي عن صوم يوم الجمعة وحده : خشية أن يستمر عليه فيفرض عليه ، أو خشية أن يلزم الناس من تعظيمه ما التزم اليهود والنصارى في سبتهم وأحدهم ، من ترك العمل ، والله أعلم .

                                                أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه بإسناد صحيح : عن فهد بن سليمان ، عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، عن عبدة بن سليمان الكلابي أبي محمد الكوفي روى له الجماعة ، عن سعيد بن أبي عروبة . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا عبدة بن سليمان ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو . . . إلى آخره نحوه .

                                                قوله : "على جويرية " وهي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية أم المؤمنين ، سباها رسول الله - عليه السلام - يوم المريسيع -وهي غزوة بني المصطلق ، وكانت في السنة الخامسة في قول الواقدي ، وفي السادسة في قول خليفة بن خياط - وكان اسمها برة فسماها رسول الله - عليه السلام - جويرية ، توفيت سنة خمسين ولها خمس وستون سنة .

                                                قوله : "أصمت ؟ " الهمزة فيه للاستفهام ، وكذلك في قوله : "أفتصومين ؟ "

                                                قوله : "إذا " قال الجوهري : "إذا " حرف مكافأة وجواب ، وهي حرف غير مركب ، وقال الخليل : أصلها "إذ أن " فحذفت الهمزة وركبتا كما قيل في "لن " ، والصحيح الأول ، وهي تقتضي الجواب والجزاء ، وتختص بجملة واقعة جوابا لشرط مقدر ، وإنما تعمل بشروط أربعة : أن تكون جوابا ، وأن تصدر بها الجملة ، وأن تتصل بالفعل ، وأن يكون الفعل مستقبلا ، وهي من النواصب للفعل المضارع نحو أن يقول لك إنسان : أنا آتيك ، فتقول له : إذن أكرمك ، وها هنا فقدت الشروط فلم تعمل شيئا ، وإذا وقفت على إذن أبدلت من نونها ألفا لشبهها بمنون منصوب ; لأن نونها ساكنة بعد فتحة ، وأكثر كتابتها بالألف لذلك ، وذهب بعضهم إلى كتابتها بالنون فرقا بين إذا الظرفية وبينها .

                                                [ ص: 426 ] ويستفاد منه : كراهة صوم يوم الجمعة وحده ، وإليه ذهب الجمهور ، وقال الترمذي : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يكرهون للرجل أن يختص يوم الجمعة بصيام لا يصوم قبله ولا بعده ، وبه يقول أحمد وإسحاق .

                                                قلت : وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ، ويروى ذلك عن علي وأبي هريرة ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي .

                                                وفي "الموطأ " قال يحيى : سمعت مالكا يقول : لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة ، وصيامه حسن ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه ، وأراه كان يتحراه ، وقال أبو عمر : لم يبلغ مالكا حديث المنع من ذلك ، وقد روى ابن القاسم عن مالك المنع من قصد شيء من الأيام بصوم ، وقال الداودي : لم يبلغ مالكا حديث المنع ، ولو بلغه لم يخالفه .

                                                وأما حديث جويرية - رضي الله عنها - فأخرجه من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن عبد الرحمن بن زياد الثقفي الرصاصي ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب العتكي - واسمه يحيى بن مالك ، ويقال : حبيب بن مالك ، روى له الجماعة .

                                                عن جويرية بنت الحارث .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا مسدد ، قال : ثنا يحيى ، عن شعبة .

                                                وثنا غندر ، نا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن جويرية بنت الحارث : "أن النبي - عليه السلام - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال : أصمت أمس ؟ قالت : لا ، قال : أتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا ، قال : فأفطري " .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد البصري ، عن شعبة وحماد بن سلمة وهمام بن يحيى ، ثلاثتهم عن قتادة ، عن أبي أيوب العتكي ، عن جويرية بنت الحارث نحوه .

                                                [ ص: 427 ] وأخرجه أحمد : ثنا وكيع ، نا شعبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب الهجري ، عن جويرية : "أن رسول الله - عليه السلام - دخل على جويرية في يوم جمعة وهي صائمة ، فقال لها : أصمت أمس ؟ قالت : لا ، قال : أفتصومين غدا ؟ قالت : لا ، قال : فأفطري " .

                                                وأما حديث أبي هريرة فأخرجه من خمس طرق :

                                                الأول : عن إبراهيم بن مرزوق عن روح بن عبادة ، عن هشام بن حسان الأزدي القردوسي البصري ، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا عمر بن حفص بن غياث ، قال : ثنا أبي ، ثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : سمعت النبي - عليه السلام - يقول : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده " .

                                                وأخرجه مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى ، قال : أنا معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده " .

                                                وأخرجه بقية الجماعة .

                                                الثاني : عن بكر بن إدريس بن الحجاج الأزدي ، عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي الكوفي ، عن رجل من بني الحارث بن كعب ، والظاهر أنه زياد بن النضر الحارثي المذكور في الإسناد الآتي ، وقال ابن عساكر : زياد بن النضر أبو الأزور ، ويقال : أبو عائشة ، ويقال : [ ص: 428 ] أبو عمر الحارثي من أهل الكوفة ، روى عن أبي هريرة ، روى عنه : الشعبي وعبد الملك بن عمير .

                                                قوله : "بمثل معناه " ، أي بمثل معنى حديث أبي سلمة عن أبي هريرة .

                                                الثالث : عن فهد بن سليمان ، عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، عن شريك بن عبد الله النخعي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زياد الحارثي ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا شريك ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زياد الحارثي ، عن أبي هريرة قال : "قال له رجل : أنت الذي تنهى عن صوم يوم الجمعة ؟ قال : لا ورب هذه الحرمة أو هذه البنية ، ما أنا نهيت ، محمد - صلى الله عليه وسلم - قاله " .

                                                الرابع : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن القاسم بن سلام بن مسكين ، عن أبيه سلام بن مسكين بن ربيعة الأزدي البصري ، أنه سأل الحسن البصري . . . إلى آخره .

                                                وهذا إسناد حسن .

                                                وأبو رافع اسمه نفيع الصائغ المدني نزيل البصرة ، مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، روى له الجماعة .

                                                الخامس : عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني المصري ، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن معاوية بن صالح بن حدير قاضي الأندلس الحمصي ، عن أبي بشر مؤذن مسجد دمشق لا ندري اسمه ، عن عامر بن لدين الأشعري الصحابي ، أنه سأل أبا هريرة . . .

                                                وأخرجه الحاكم في "مستدركه " : أنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل ، ثنا يحيى بن أبي طالب ، ثنا زيد بن حباب ، نا معاوية بن صالح ، عن أبي بشر ، عن عامر بن لدين .

                                                [ ص: 429 ] وأنا أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، نا عبد الرحمن -وهو ابن مهدي - عن معاوية بن صالح ، عن أبي بشر ، عن عامر بن لدين الأشعري ، أنه سمع أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : " يوم الجمعة عيد ، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده " .

                                                هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، إلا أن أبا بشر هذا [لم أقف ] على اسمه وليس بيان بن بشر ، ولا بجعفر بن أبي وحشية .

                                                وأخرجه ابن شاهين : من حديث أسد بن موسى ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي بشر مؤذن مسجد دمشق ، عن عامر بن لدين الأشعري قال : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : "إن الجمعة يوم عيدكم فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا يوما قبله أو بعده " ثم قال : ورواه عبد الله بن صالح ، عن معاوية ، فقال عامر : عن أبي هريرة .

                                                وأما حديث جنادة بن أبي أمية : فأخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى ، عن عبد الله بن لهيعة المصري ، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري ، عن أبي خير مرثد بن عبد الله اليزني المصري ، عن حذيفة البارقي المذكور فيمن رأى النبي - عليه السلام - ، عن جنادة بن أبي أمية الأزدي- واسم أبي أمية كثير ، قاله البخاري ، وجنادة ممن نزل مصر من الصحابة .

                                                وأخرجه ابن يونس في "تاريخه " من طريق أصح منه : ثنا أحمد بن شعيب ، أبنا الربيع بن سليمان ، نا ابن وهب ، أخبرني الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن حذيفة البارقي ، عن جنادة بن أبي أمية ، أنهم دخلوا على رسول الله - عليه السلام - في يوم جمعة . . . إلى آخره .

                                                [ ص: 430 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا عبد الله بن نمير ، قال : نا محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن حذيفة الأزدي ، عن جنادة الأزدي : "دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبعة نفر من الأزد أنا ثامنهم يوم الجمعة ونحن صيام ، فدعا رسول الله - عليه السلام - إلى طعام بين يديه ، فقلنا : إنا صيام ، فقال : هل صمتم أمس ؟ قلنا : لا ، قال : فهل تصومون غدا ؟ قلنا : لا ، قال : فأفطروا . ثم خرج إلى الجمعة ، فلما جلس على المنبر دعا بإناء من ماء فشرب والناس ينظرون إليه ; ليعلمهم أنه لا يصوم يوم الجمعة " .

                                                وأخرجه الطبراني من طرق مختلفة .

                                                فإن قيل : يعارض هذه الأحاديث ما أخرجه النسائي : أنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : أخبرني أبي ، قال : أنا أبو حمزة ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله بن مسعود قال : " كان رسول الله - عليه السلام - يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر ، وقيل ما يفطر يوم الجمعة " .

                                                وما أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا حفص ، ثنا ليث ، عن عمير بن أبي عمير ، عن ابن عمر قال : "ما رأيت رسول الله - عليه السلام - يفطر يوم جمعة قط " .

                                                وما أخرجه أيضا : عن حفص ، عن ليث ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : "ما رأيته مفطرا يوم جمعة قط " .

                                                قلت : لا نسلم هذه المعارضة ; لأنه لا دلالة فيها على أنه - عليه السلام - صام يوم الجمعة وحده ، فنهيه عن صوم يوم الجمعة وحده فيما سبق من الأحاديث يدل على أن

                                                [ ص: 431 ] صومه يوم الجمعة في هذه الأحاديث لم يكن في يوم الجمعة وحده ، بل إنما كان بيوم قبله أو بيوم بعده ، وذلك لأنه لا يجوز أن يحمل فعله على مخالفة أمره إلا بنص صريح صحيح ، فحينئذ يكون نسخا أو تخصيصا ، وكل واحد منهما منتف ، فإذا كان كذلك ظهر أن صومه يوم الجمعة لم يكن منفردا ، بل إنما كان بيوم معه ، فحينئذ اتفقت معاني الآثار وانتفى التعارض ، والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية