الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3208 3209 3210 ص: حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن محمد بن عمرو بن الحسن ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - قال : "كان رسول الله - عليه السلام - في سفر فرأى زحاما ، ورجل قد ظلل عليه فسأل : ما هذا ؟ فقالوا : صائم ، فقال رسول الله - عليه السلام - : ليس من البر أن تصوموا في السفر " .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو الوليد ، قال : ثنا شعبة . . . فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا الأوزاعي ، عن يحيى قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، قال : ثنا جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : "مر النبي - عليه السلام - برجل في سفر في ظل شجرة يرش عليه الماء ، فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : صائم يا رسول الله ، قال : ليس من البر الصيام في السفر ، فعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها " .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ثلاث طرق صحاح :

                                                الأول : عن علي بن شيبة بن الصلت السدوسي . . . إلى آخره .

                                                ورجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا ابن شيبة .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا آدم ، نا شعبة ، نا محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، قال : سمعت محمد بن عمرو بن الحسن بن علي ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : "كان رسول الله - عليه السلام - في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : صائم ، فقال : ليس من البر أن تصوموا في السفر " .

                                                [ ص: 325 ] وأخرجه مسلم : عن أبي بكر ، عن غندر ، عن شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ابن سعد ، عن محمد بن عمرو بن الحسن ، عن جابر بن عبد الله قال : "كان رسول الله - عليه السلام - في سفر فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه ، فقال : ما له ؟ قالوا : رجل صائم ، فقال رسول الله - عليه السلام - : ليس من البر أن تصوموا في السفر " .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري وأبي داود ، عن شعبة . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه أبو داود : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : ثنا شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن -يعني : ابن أسعد بن زرارة - عن محمد بن عمرو بن الحسن ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - : "أن رسول الله - عليه السلام - رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه ، قال : ليس من البر الصيام في السفر " .

                                                الثالث : عن محمد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني السكري شيخ أبي داود والنسائي ، عن الوليد بن مسلم الدمشقي ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير الطائي . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه النسائي : أخبرني شعيب بن شعيب بن إسحاق ، قال : ثنا عبد الوهاب بن سعيد ، قال : ثنا شعيب ، عن الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال : أخبرني محمد بن عبد الرحمن ، قال : أخبرني جابر بن عبد الله : "أن رسول الله - عليه السلام - مر برجل إلى ظل شجرة يرش عليه الماء ، قال : ما بال صاحبكم ؟ قالوا : يا رسول الله صائم ، قال : إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر ، وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها " .

                                                [ ص: 326 ] قوله : "ليس من البر " أي : ليس من الطاعة والعبادة أن تصوموا في حالة السفر ، و"البر " : بكسر الباء الإحسان أيضا ، ومنه بر الوالدين ، يقال : بر يبر فهو بار وجمعه بررة ، وجمع "البر " -بفتح الباء- أبرار ، والبر بالفتح بمعنى الجيد والخير ، ومنه قوله - عليه السلام - : "صلوا خلف كل بر وفاجر " ، ويجيء بمعنى العطوف ، وفي أسماء الله : البر : العطوف على عباده ببره ولطفه ، والبر والبار بمعنى ، وإنما جاء في اسم الله تعالى البر دون البار .

                                                والبر -بالفتح- خلاف البر أيضا وجمعه برور ، ويقال : إن كلمة "من " في قوله : "ليس من البر " أي ليس البر ، كما في قولهم : ما جاءني من أحد ، أي : ما جاءني أحد .

                                                قلت : لا خلاف في زيادة "من " في النفي ، وإنما الخلاف في الإثبات ، فأجازه قوم ، ومنعه آخرون .

                                                قوله : "ورجل قد ظلل عليه " قيل : اسم هذا الرجل أبو إسرائيل ، ذكره الخطيب في كتاب "المبهمات " .

                                                قوله : "أن تصوموا " في محل الرفع على أنه اسم "ليس " ، و"أن " مصدرية ، وتقديره : ليس من البر صومكم في السفر ، وإذا جعلنا "من " زائدة يكون البر هو اسم "ليس " وتكون "أن تصوموا " في محل النصب على الخبرية ، أي : ليس البر صومكم ، فافهم .

                                                قوله : "يرش عليه " على صيغة المجهول في محل النصب على الحال .

                                                قوله : "ما بال هذا ؟ " أي : ما شأنه وما حاله .

                                                قوله : "صائم " مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو صائم .

                                                قوله : "برخصة الله " الرخصة في اللغة عبارة عن الإطلاق والسهولة والسعة ، ومنه رخص السعر إذا تراجع وخف على الناس ، واتسعت السلع وكثرت وسهل وجودها ، وفي الشريعة تنبئ عن معناها اللغوي ; إذ هي الأحكام الثابتة بناء على أعذار العباد تيسيرا .




                                                الخدمات العلمية