الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3099 3100 ص: وقد روي عن أبي حميد الساعدي أيضا في صفة خرص رسول الله - عليه السلام - ما يدل على ما ذكرنا .

                                                [ ص: 180 ] حدثنا إبراهيم بن أبي داود وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قالا : ثنا الوحاظي . (ح) وحدثنا علي بن عبد الرحمن وأحمد بن داود ، قالا : ثنا القعنبي ، قالا : ثنا سليمان بن بلال ، قال : ثنا عمرو بن يحيى المازني ، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال : " خرجنا مع رسول - عليه السلام - في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة امرأة ، فقال رسول الله - عليه السلام - : اخرصوها ، فخرصها رسول الله - عليه السلام - وخرصناها عشرة أوسق وقال : أحصيها حتى أرجع إليك إن شاء الله ، فلما قدمناها سألها رسول الله - عليه السلام - عن حديقتها كم بلغ ثمرها ؟ قالت : عشرة أوسق " .

                                                ففي هذا أيضا أنهم خرصوها ، وأمروها بأن تحصيها حتى يرجعوا إليها ، فذلك دليل على أنهما لم تملك بخرصهم إياها ما لم تكن مالكة له قبل ذلك ، وإنما أرادوا بذلك أن يعلموا مقدار ما في نخلها خاصة ، ثم يأخذون منها الزكاة في وقت الصرام على حسب ما يجب فيها ، فهذا هو المعنى في هذه الآثار عندنا ، والله أعلم .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وقد روي عن أبي حميد الصحابي واسمه عبد الرحمن -وقيل : المنذر- ابن سعد الساعدي أيضا في صفة خرص رسول الله - عليه السلام - ما يدل على أن المراد من الخرص إنما كان للعلم بمقدار ما في النخل من الثمر ، لئلا يخونوا فيها ، وهو معنى قوله : "وإنما أرادوا بذلك أن يعلموا . . . " إلى آخره .

                                                ثم إنه أخرج هذا الحديث من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي الحافظ شيخ الشام في وقته وشيخ أبي داود والطبراني ، كلاهما عن يحيى بن صالح الوحاظي أبي زكرياء الشامي الدمشقي وقيل : الحمصي ، أحد أصحاب أبي حنيفة وشيخ البخاري ، ونسبته إلى وحاظة بن سعد بطن من حمير .

                                                عن سليمان بن بلال القرشي التيمي أبي محمد المدني روى له الجماعة ، عن عمرو بن يحيى المازني الأنصاري روى له الجماعة ، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري المدني روى له الجماعة سوى النسائي ، عن أبي حميد - رضي الله عنه - .

                                                [ ص: 181 ] الثاني : عن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة الكوفي ثم المصري شيخ أبي عوانة الإسفراييني أيضا ، قال ابن أبي حاتم : كتبت عنه وهو صدوق .

                                                وأحمد بن داود المكي كلاهما ، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ البخاري ومسلم وأبي داود ، عن سليمان بن بلال . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا سهل بن بكار ، أبنا وهيب ، عن عمرو بن يحيى ، عن عباس الساعدي ، عن أبي حميد الساعدي قال : "غزونا مع رسول الله - عليه السلام - غزوة تبوك ، فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة تسقيها ، فقال النبي - عليه السلام - : اخرصوا ، وخرص رسول الله - عليه السلام - عشرة أوسق ، فقال : أحصي ما يخرج منها ، فلما أتينا تبوك قال : أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد ، ومن كان معه بعير فليعقله ، فعقلناها ، وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته بجبلي طيء ، وأهدى ملك أيلة للنبي - عليه السلام - بغلة بيضاء وكساه بردا وكتب له ببحرهم فلما أتى وادي القرى قال للمرأة : كم جاءت حديقتك ؟ قالت : عشرة أوسق ، خرص رسول الله - عليه السلام - ، قال النبي - عليه السلام - : إني متعجل إلى المدينة فمن أراد منكم أن يتعجل معي فليتعجل . فلما -قال ابن بكار كلمة معناها- أشرف على المدينة قال : هذه طابة ، فلما رأى أحدا قال : هذا جبل يحبنا ونحبه ، ألا أخبركم بخير دور الأنصار ؟ قالوا : بلى . قال : دور بني النجار ، ثم دور بني عبد الأشهل ، ثم دور بني ساعدة أو دور بني الحارث بن الخزرج ، وفي كل دور الأنصار -يعني- خيرا " . انتهى .

                                                وغزوة تبوك تسمى العسرة والفاضحة ، وهي من المدينة على أربع عشرة مرحلة ، وبينها وبين دمشق إحدى عشرة مرحلة ، وكانت في رجب يوم الخميس سنة تسع ، وقال ابن التين : خرج رسول الله - عليه السلام -في أول يوم من رجب إليها ورجع في سلخ شوال ، وقيل : في شهر رمضان .

                                                وفي "المحكم " تبوك اسم أرض ، وقد تكون تبوك تفعل .

                                                [ ص: 182 ] وزعم ابن قتيبة أن رسول الله - عليه السلام - جاء في غزوة تبوك وهم يبوكون حسيها بقدح فقال : ما زلتم تبوكونها بعد ، فسميت تبوك ، ومعنى تبوكون : تدخلون فيه السهم وتحركونه ليخرج ماؤه .

                                                قلت : هذا يدل على أنه معتل ، وذكرها ابن سيده في الثلاثي الصحيح .

                                                وقوله : "حسيها " أي حسي تبوك وهو : بكسر الحاء المهملة وسكون السين المهملة ، وفي آخره ياء آخر الحروف ، وما تنشفه الأرض من الرمل فإذا صار إلى صلابة أمسكته فيحفر عنه الرمل فتستخرجه ، وهو الاحتساء ويجمع على أحساء .

                                                قوله : "وادي القرى " . ذكر السمعاني أنها مدينة قديمة بالحجاز فيما يلي الشام ، وذكر ابن قرقول أنها من أعمال المدينة .

                                                قوله : "على حديقة امرأة " . قال ابن سيده : هي من الرياض : كل أرض استدارت ، وقيل : الحديقة كل أرض ذات شجر مثمر ونخل ، وقيل : الحديقة البستان والحائط ، وخص بعضهم به الجنة من النخل والعنب ، وقيل : الحديقة حفرة تكون في الوادي تحبس الماء في الوادي ، وإن لم يكن الماء في بطنه فهو حديقة ، والحديقة أعمق من الغدير ، والحديقة : القطعة من الزرع .

                                                وفي "الغريبين " : يقال للقطعة من النخل حديقة .

                                                قوله : "اخرصوها " . أي : احزروها .

                                                قوله : "أحصيها " . أي : احفظيها ، من أحصى يحصي إحصاء ومنه الحديث الآخر "أكل القرآن أحصيت " أي : حفظت .

                                                قوله : "بجبلي طيئ " . ذكر الكلبي في كتابه " أسماء البلدان " أن سلمى بنت حام بن جمى بن براواة من بني عمليق كانت لها حاضنة يقال لها العوجاء وكانت الرسول بينها وبين أجأ بن عبد الحي من العماليق ، فعشقها فهرب بها وبحاضنتها إلى موضع جبلي طيء وبالجبلين قوم من عاد ، وكان لسلمى إخوة فجاءوا في طلبها

                                                [ ص: 183 ] فلحقوهم بموضع الجبلين ، فأخذوا سلمى فنزعوا عينيها ووضعوها على الجبل ، وكتف أجأ -وكان أول من كتف- ووضع على الجبل الآخر ، فسمي بها الجبلان أجأ وسلمى ، ويقال : إن زوج سلمى هو الذي قتلهما .

                                                و"أجأ " بفتح أوله وثانيه على وزن فعل ، يهمز ولا يهمز ، ويذكر ويؤنث ، وهو مقصور في كلا الوجهين .

                                                قوله : "وأهدى ملك أيلة " . واسمه يوحنا بن رؤبة .

                                                و"أيلة " مدينة على شاطئ البحر في منتصف ما بين مصر ومكة المشرفة على وزن فعلة ، وقال محمد بن حبيب : "أيلة " شعبة من رضوى وهو جبل ينبع ، والأول أصح سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم - عليه السلام - ، وقد روي أن أيلة هي القرية التي كانت حاضرة البحر .




                                                الخدمات العلمية