الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                [ ص: 197 ] 3111 3112 3113 3114 ص: وقد روي عن غير أبي سعيد في الحنطة خلاف ما روي عن أبي سعيد ، فمن ذلك :

                                                ما حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد . (ح)

                                                وحدثنا فهد ، قال : ثنا ابن أبي مريم -قال أسد : حدثنا ابن لهيعة . وقال ابن أبي مريم : أخبرنا ابن لهيعة - عن أبي الأسود ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت : " كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله مدين من قمح " .

                                                حدثنا فهد وعلي بن عبد الرحمن ، قالا : ثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، أن هشام بن عروة حدثه ، عن أبيه ، أن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - أخبرته : " أنها كانت تخرج على عهد رسول الله - عليه السلام - عن أهلها -الحر منهم والمملوك- مدين من حنطة أو صاعا من تمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به " .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا محمد بن عزيز ، قال : ثنا سلامة ، عن عقيل ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء قالت : "كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله - عليه السلام - مدين " .

                                                فهذه أسماء تخبر أنهم كانوا يؤدون في عهد النبي - عليه السلام - زكاة الفطر مدين من قمح ، ومحال أن يكونوا يفعلون هذا إلا بأمر النبي - عليه السلام - ; لأن هذا لا يؤخذ حينئذ إلا من جهة توقيفه إياهم على ما يجب عليهم من ذلك ، فتصحيح ما روي عن أسماء وما روي عن أبي سعيد : أن يجعل ما كانوا يؤدون على ما ذكرت أسماء هو الفرض ، وما كانوا يؤدون على ما ذكره أبو سعيد زيادة على ذلك هو التطوع .

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا إلى صحة ما ذكره من التأويل في حديث أبي سعيد ، وإلى وجه التوفيق بين ما روي عن أبي سعيد وبين ما روي عن غيره مما يخالفه ظاهرا .

                                                بيانه : أن أسماء - رضي الله عنها - تخبر في حديثها أنهم كانوا يؤدون في عهد النبي - عليه السلام - صدقة الفطر مدين من قمح وهو نصف صاع ، ولا شك أن هذا لم يكن إلا بأمر النبي - عليه السلام - ; لأن ذلك مما لا يوقف عليه إلا من جهة التوقيف ، وحديث أبي سعيد

                                                [ ص: 198 ] يخبر أنهم كانوا يعطون صاعا من قمح فبينهما تناف ، وتصحيح ذلك أن يجعل حديث أسماء على ما كانوا يؤدونه على سبيل الفرض وهو نصف صاع من القمح .

                                                وحديث أبي سعيد على ما كانوا يزيدونه على الفرض طلبا للفضل ; فحينئذ يتفق الحديثان في المعنى ، وهو أن الواجب نصف صاع .

                                                ثم إنه أخرج حديث أسماء عن أربعة طرق :

                                                الأول : عن ربيع بن سليمان المرادي المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن عبد الله بن لهيعة ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني يتيم عروة ، عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام القرشية الأسدية زوجة هشام بن عروة ، عن جدتها أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - .

                                                والكل ثقات غير ابن لهيعة فإن فيه خلافا كما ذكرناه غير مرة .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا عتاب ، نا عبد الله بن المبارك ، أنا ابن لهيعة . . . إلى آخره نحوه سواء ، غير أن في آخره : "بالمد الذي تقتاتون به " .

                                                الثاني : عن فهد بن سليمان ، عن سعيد بن الحاكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري ، عن عبد الله بن لهيعة . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه الطبراني : ثنا بكر بن سهل ، نا عبد الله بن يوسف ، ثنا ابن لهيعة ، عن أبي الأسود ، عن فاطمة بنت المنذر ، عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت : " كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله - عليه السلام - مدين من قمح بالمد الذي يقتات به " .

                                                الثالث : عن فهد وعلي بن عبد الرحمن المعروف بعلان ، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم ، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن أسماء . . . إلى آخره .

                                                وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري .

                                                [ ص: 199 ] وأخرجه الطبراني : ثنا أحمد بن حماد بن زغبة ، ثنا سعيد بن أبي مريم أنا يحيى بن أيوب . . . إلى آخره نحوه سواء .

                                                الرابع : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ومحمد بن عزيز بن عبد الله الأيلي ، كلاهما عن سلامة بن روح بن خالد الأيلي ، عن عمه عقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي ، عن هشام بن عروة . . . إلى آخره .

                                                وهذا أيضا صحيح .

                                                وأخرجه الطبراني أيضا : ثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح المصري ، ثنا محمد بن عزيز الأيلي ، ثنا سلامة بن روح ، حدثني عقيل ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - : "أنهم كانوا يخرصون زكاة الفطر على عهد رسول الله - عليه السلام - بالمد الذي يقتات به أهل البيت ، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم " .

                                                فإن قيل : قال ابن الجوزي : هذا الحديث معلول بابن لهيعة ، فكيف تجعله معارضا لحديث أبي سعيد الصحيح ثم توفق بما ذكرته ؟ ! .

                                                قلت : قد بينت لك غير مرة أن ابن لهيعة ثقة عند جماعة منهم أحمد ، على أنا وإن سلمنا ذلك من طريق ابن لهيعة ، ولكن الحديث صحيح من غير طريقه كما أخرجه الطحاوي من الطريقين الآخرين ، على أن صاحب "التنقيح " قد قال : حديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة سيما إذا كان من رواية إمام مثل ابن المبارك عنه .

                                                وأشار بذلك إلى ما رواه أحمد في "مسنده " : ثنا عتاب بن زياد ، ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك ، أنا ابن لهيعة . . . الحديث .

                                                وها هنا قد روى عنه مثل ابن أبي مريم شيخ البخاري على ما مر .




                                                الخدمات العلمية