الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3318 ص: فإن قال قائل : فقد رخص في صيام أيام بعينها مقصودة بالصوم وهى أيام البيض ، فهذا دليل أن لا بأس بالقصد بالصوم إلى يوم بعينه .

                                                قيل له : إنه قد قيل : إن أيام البيض إنما أمر بصومها لأن الكسوف يكون فيها ولا يكون في غيرها ، وقد أمر بالتقرب إلى الله -عز وجل- بالصلاة والعتاق في غير ذلك من أعمال البر عند الكسوف ، فأمر بصيام هذه الأيام ليكون ذلك برا مفعولا يعقب الكسوف ، فذلك صيام غير مقصود به إلى يوم بعينه في نفسه ، ولكنه صيام مقصود به في وقت شكرا لله -عز وجل- لعارض كان فيه فلا بأس بذلك ، وكذلك أيضا يوم الجمعة إذا صامه رجل شكرا لعارض من كسوف شمس أو قمر ، أو لشكر الله -عز وجل- ، فلا بأس بذلك وإن لم يصم قبله ولا بعده يوما .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال : إنكم قلتم : الأصل أن لا يقصد الرجل إلى صوم يوم بعينه من سائر أيام الشهور حتى إنه لا يقصد إلى صوم يوم عاشوراء أو يوم الجمعة لأعيانهما كما مر فيما مضى ، فإذا كان كذلك ينبغي أن يكره الصوم في أيام البيض ، ومع هذا فقد رخص في صومها بعينها مقصودة بالصوم فيها ، فهذا ينافي ما ذكرتم من الأصل ، ويقتضي أن لا يكره القصد بالصوم إلى يوم بعينه ، أي يوم كان .

                                                وتقرير الجواب أن يقال : إن السبب في ترخيص صيام أيام البيض كان لأجل كون كسوف الشمس فيها ; لأنه لا يكون إلا ليلة البدر وهو الرابع عشر من الشهر

                                                [ ص: 446 ] ولا يكون في غيرها على ما اقتضته الحكمة الإلهية ، وقد كان النبي - عليه السلام - أمر بالتقرب إلى الله من أعمال البر نحو الصلاة والعتاق وغيرهما عند الكسوف .

                                                وقد أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - أن النبي - عليه السلام - قال : " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة " .

                                                وروي في حديث عائشة : " فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وتصدقوا " .

                                                رواه البيهقي وغيره .

                                                وفي رواية : "فادعوا وصلوا وأعتقوا " .

                                                وفي رواية البخاري من حديث أسماء : " كنا نؤمر عند الكسوف بالعتاقة " .

                                                ومن جملة أعمال البر الصوم ، فأمر به في هذه الأيام ليكون ذلك برا مفعولا عقيب الكسوف ، وهذا صيام مقصود به في وقت شكرا لله تعالى ; لأجل ذلك العارض ، وهو الكسوف ، وليس بصوم مقصود به إلى يوم بعينه في نفسه ، فإذا كان كذلك فلا يكره ، وكذلك الكلام في صوم يوم الجمعة وحده إن كان شكرا لله تعالى لأجل عارض من العوارض فلا بأس بذلك منفردا ، وكل يوم ورد فيه النهي عن صومه فأمره على هذا ، والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية