الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3078 3079 ص: حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا سعيد بن أبي مريم ، قال : ثنا محمد بن مسلم ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا صدقة في شيء من الزرع والكرم حتى يكون خمسة أوسق ، ولا في الرقة حتى تبلغ مائتي درهم " .

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا الخصيب ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة " .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذان طريقان صحيحان :

                                                الأول : عن يزيد بن سنان القزاز ، عن سعيد بن أبي مريم المصري شيخ البخاري ، عن محمد بن مسلم بن سوسن الطائفي روى له الجماعة البخاري مستشهدا ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده " : ثنا محمد بن معمر ، قال : ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو ، نا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة " .

                                                [ ص: 140 ] وأخرجه ابن ماجه : ثنا علي بن محمد ، نا وكيع ، نا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "ليس فيما دون خمس ذود صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوساق صدقة " .

                                                الثاني : عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن الخصيب بن ناصح الحارثي ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر بن عبد الله .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا هارون بن معروف وهارون بن سعيد الأيلي ، قالا : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عياض بن عبد الله ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن رسول الله - عليه السلام - أنه قال : "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة " .

                                                قوله : "ولا في الرقة " بكسر الراء وفتح القاف المخففة : الدراهم ، ويقال : الورق بفتح الواو وكسر الراء ، والورق بكسر الواو وسكون الراء ، والورق بفتح الواو وسكون الراء ، والرقة : الدراهم ، وربما سميت الفضة ورقة ، والرقة : الفضة والمال .

                                                وعن ابن الأعرابي : الرقة : الفضة والذهب .

                                                وعن ثعلب : جمع الورق والورق أوراق ، وجمع الرقة رقون ورقين .

                                                وفي "الجامع " : أعطاه ألف درهم رقة يعني لا يخالطها شيء من المال غيرها .

                                                وفي "الغريبين " : الورق والرقة ، الدراهم خاصة ، وأما الورق فهو المال كله .

                                                وقال أبو بكر : الرقة معناها في كلامهم الورق وجمعها رقاة .

                                                وفي "المعرب " : الورق -بكسر الراء- المضروب من الفضة ، وكذا الرقة .

                                                [ ص: 141 ] وفي "المجمل " : الورق الدراهم وحدها ، والورق من المال .

                                                قوله : "حتى تبلغ مائتي درهم " وهو نصاب الفضة .

                                                ثم اعلم أن الدراهم التي كان الناس يتعاملون بها نوعان : نوع عليه نقش فارس ونوع عليه نقش الروم ، وأحد النوعين يقال له : البغلي وهي السود ، الدرهم منها ثمانية دوانيق ، والآخر يقال له : الطبري وهي العتق ، الدرهم منها أربعة دوانيق ، وذكر في بعض شروح "الهداية " : البغلي نسبة إلى ملك يقال له رأس البغل ، والطبري نسبة إلى طبرية ، وقيل : إلى طبرستان .

                                                وقال الخطابي عن بعضهم : لم تزل الدراهم على العيار في الجاهلية والإسلام وإنما غيروا السكك ونقشوها ، وقام الإسلام والأوقية أربعون درهما .

                                                وفي "الأحكام " للماوردي : استقر في الإسلام زنة الدرهم ستة دوانيق ، كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، وقيل : إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رأى الدراهم مختلفة البغلية والطبرية ومنها الغربية ثلاث دوانيق ، ومنها اليمنية دانق واحد ، فأخذ البغلية والطبرية ; لأنهما أغلب في الاستعمال ، فكانا اثني عشر دانقا ، فأخذ نصفها فصار الدرهم ستة دوانيق فجعلها درهما .

                                                وزعم المرغيناني أن الدرهم كان شبيه النواة ، ودور على عهد عمر رضي الله عنه فكتبوا عليه وعلى الدينار : "لا إله إلا الله محمد رسول الله " ، ثم زاد ناصر الدولة بن حمدان : "- صلى الله عليه وسلم - " فكانت منقبة لآل حمدان ، وذكر الشيخ شهاب الدين القرافي في كتاب "الذخيرة " : أن الدرهم المصري أربعة وستون حبة وهو أكبر من درهم الزكاة ، فإذا أسقطت الزائد كان النصاب من دراهم مصر مائة وثمانين درهما وحبتين .

                                                وفي "فتاوى الفضلي " : تعتبر دراهم كل بلد ودنانيرهم ، ففي خوارزم تجب الزكاة عندهم في مائة وخمسين ، وزن : سبعة .

                                                فعلى هذا من ملك في زماننا مائتي درهم تكون نصابا وإن لم يبلغ وزنها مائة مثقال ولا قيمتها اثني عشر دينارا .

                                                [ ص: 142 ] وذكر أبو عمر : أن أبا عبيد قال : إن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك ، وأنه جمعها برأي العلماء ، وجعل كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، ووزن الدرهم ستة دوانيق .

                                                وقال القاضي عياض : ولا تصح أن تكون الأوقية والدراهم مجهولة في زمن النبي - عليه السلام - وهو يوجب الزكاة في أعداد منها وتقع بها البياعات والأنكحة كما ثبت في الأحاديث الصحيحة . قال : وهذا يبين أن قول من زعم أن الدراهم لم تكن معلومة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء ، وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل ووزن الدرهم ستة دوانيق قول باطل ، وإنما معنى ما نقل من ذلك أنه لم يكن منها شيء من ضرب الإسلام ، وعلى صفة لا تختلف ، بل كانت مجموعات من ضرب فارس والروم صغارا وكبارا ، وقطع فضة غير مضروبة ولا منقوشة ، ويمنية ومغربية ، فرأوا صرفها إلى ضرب الإسلام ونقشه ، وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف ، وأعيانا يستغنى فيها عن الموازين ، فجمعوا أكبرها وأصغرها وصرفوه على وزنهم .

                                                وقال القاضي : ولا شك أن الدراهم كانت معلومة حينئذ وإلا فكيف كانت تتعلق بها حقوق الله تعالى في الزكاة وغيرها وحقوق العباد ؟ ! وهكذا كما كانت الأوقية معلومة .

                                                وقال الشيخ محيي الدين : أجمع أهل العصر الأول على التقدير بهذا الوزن المعروف ، وهو أن الدرهم ستة دوانيق ، وكل عشرة سبعة مثاقيل ، ولم يتغير المثقال في الجاهلية ولا في الإسلام .

                                                وروى ابن سعد في كتاب "الطبقات " في ترجمة عبد الملك بن مروان : أنا محمد بن عمر الواقدي ، حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : "ضرب عبد الملك بن مروان الدنانير والدراهم سنة خمس وسبعين ، وهو أول من أحدث ضربها ونقش عليها " .

                                                [ ص: 143 ] وقال الواقدي : ثنا خالد بن ربيعة بن أبي هلال ، عن أبيه قال : "كانت مثاقيل الجاهلية التي ضرب عليها عبد الملك بن مروان الدراهم والدنانير اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة بالشامي ، وكانت العشرة وزن سبعة " . انتهى .

                                                وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "الأموال " في باب الصدقة وأحكامها : "كانت الدراهم قبل الإسلام كبارا وصغارا ، فلما جاء الإسلام وأرادوا ضرب الدراهم -وكانوا يزكونها من النوعين- فنظروا إلى الدرهم الكبير فإذا هو ثمانية دوانيق ، وإلى الدرهم الصغير فإذا هو أربعة دوانيق ، فوضعوا زيادة الكبير على نقصان الصغير فجعلوهما درهمين سواء ، كل واحد ستة دوانيق ، ثم اعتبروها بالمثاقيل ، ولم يزل المثقال في آباد الدهر محدودا لا يزيد ولا ينقص ، فوجدوا عشرة من هذه الدراهم التي واحدها ستة دوانيق تكون وزان سبعة مثاقيل ، وأنه عدل بين الكبار والصغار ، وأنه موافق لسنة رسول الله - عليه السلام - في الصدقة ، فمضت سنة الدراهم على هذا ، فاجتمعت عليه الأمة ، فلم يختلف أن الدرهم التام ستة دوانيق ، فما زاد أو نقص قيل فيه : زائد وناقص .

                                                والناس في الزكوات على الأصل الذي هو الستة لم يزيغوا عنه ، وكذلك في المبايعات . انتهى .

                                                وزعم بعضهم أن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالدراهم عددا وقت قدوم سيدنا رسول الله - عليه السلام - قال : ويدل عليه قول عائشة - رضي الله عنها - في قصة بريرة : "إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة فعلت " تريد الدراهم ، فأرشدهم - عليه السلام - إلى الوزن وجعل العيار وزن أهل مكة شرفها الله تعالى .

                                                وفي بعض شروح البخاري : واختلف في أول من ضربها ، فقال أبو الزناد : أمر عبد الملك بضربها في العراق سنة أربع وسبعين ، وقال المدائني : بل كان ذلك في آخر سنة خمس وسبعين ، ثم أمر بضربها في النواحي سنة ست وسبعين ، وقيل : أول من ضربها مصعب بن الزبير بأمر أخيه عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهم - سنة سبعين ، على ضرب الأكاسرة ، ثم غيرها الحجاج .

                                                [ ص: 144 ] وذكر محمد بن خلف في كتاب "المكاييل " ، عن الواقدي ، عن سعيد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن سابط قال : كان لقريش أوزان في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام أقرت على ما كانت عليه الأوقية أربعون درهما ، والرطل اثني عشر أوقية ، فذلك أربعمائة وثمانون درهما ، وكان لهم النش وهو عشرون درهما ، والنواة وهي خمسة دراهم ، وكان المثقال اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة ، وكانت العشرة دراهم وزنها سبعة مثاقيل ، والدرهم خمسة عشر قيراطا ، فلما قدم سيدنا رسول الله - عليه السلام - كان يسمى الدينار لوزنه دينارا ، وإنما هو تبر ، ويسمى الدرهم لوزنه درهما وإنما هو تبر ، فأقرت موازين المدينة على هذا ، فقال النبي - عليه السلام - : "الميزان ميزان أهل المدينة " .

                                                وحكى الأثرم عن أحمد أنه قال : اصطلح الناس على دراهمنا وإن كان بينهم في ذلك اختلاف لطيف . قال : وأما الدينار فليس فيه خلاف .

                                                قال أبو عمر : روى جابر - رضي الله عنه - أن النبي - عليه السلام - قال : "الدينار أربعة وعشرون قيراطا " قال أبو عمر : هذا وإن لم يصح سنده ففي قول جماعة العلماء به ، واجتماع الناس على معناه ما يغني عن الإسناد فيه .

                                                وقال ابن حزم في "المحلى " : وبحثت أنا غاية البحث عند كل من وثقت بتمييزه ، فكل اتفق لي على أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة ، بالحب من الشعير المطلق ، والدرهم سبعة أعشار المثقال ، فوزن الدرهم المكي سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة ، فالرطل مائة درهم واحدة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور .

                                                وقال ابن حزم أيضا : الدرهم في الورق والدينار في الذهب ثم يجتمعان في النواة والنش والأوقية ، وقد دخل في الرطل في بعض المقادير ، فالدرهم المذكور في الزكاة هو الذي في كل سبعة دنانير ذهبا منه عشرة دراهم بوزن مكة ، والأوقية أربعون درهما مكية من ذهب أو فضة ، والرطل اثنا عشر أوقية مكية .

                                                [ ص: 145 ] وقال في "الإيصال " : لا خلاف بين أحد في الأوقية المذكورة في أواقي الورق في الصدقة المفروضة : أنها أربعون درهما بالدرهم المكي ، وأما وزن الرطل فإن الناس يختلفون في أن المثقال على وزنه قديما وحديثا ، وهو درهمان طبريان ، والدرهم الطبري هو القرطبي.




                                                الخدمات العلمية