الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3132 ص: فقد جاءت هذه الآثار التي ذكرنا عن النبي - عليه السلام - في الحنطة بمثل ما عدله الناس بعده ، وأبو سعيد فقد روي عنه من رأيه ما يوافق ذلك ، ولم يخالف ما روي عنه ما ذكره عنه عياض بن عبد الله في قوله : "تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل

                                                [ ص: 223 ] بها " ; لأنه في ذلك لم ينكر القيمة وإنما أنكر المقوم ، فهذا ما روي عن رسول الله - عليه السلام - في صدقة الفطر ، وقد ذكرنا بعض ما روي عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - في ذلك .

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذه الآثار إلى حديث ثعلبة بن أبي صعير ، وحديث أبي هريرة ، ومراسيل سعيد بن المسيب ومن ذكر معه ; فإنها جاءت مماثلة وموافقة لما عدله الناس بعد النبي - عليه السلام - من مدين من حنطة في مقابلة صاع من شعير أو تمر .

                                                قوله : " وأبو سعيد " - أي أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قد روي عنه من رأيه واجتهاده ما يوافق ذلك التعديل حيث قال لرسول مروان لما أرسله يطلب منه زكاة رقيقه : إنما علينا أن نعطي لكل رأس عندكم فطر صاعا من تمر أو نصف صاع من بر .

                                                قوله : "ولم يخالف ما روي عنه ما ذكره عنه عياض بن عبد الله . . . " إلى آخره .

                                                جواب عما يقال : قد روى عياض بن سعد بن أبي سرح ، عن أبي سعيد الخدري وهو يسأل عن صدقة الفطر قال : "لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله - عليه السلام - صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط . فقال له رجل : أو مدين من قمح ؟ فقال : لا ، تلك قيمة معاوية ، لا أقبلها ولا أعمل بها " .

                                                فهذا مخالف لما روي عنه ما يوافق ما قد عدله الناس من بعد النبي - عليه السلام - .

                                                وتقرير الجواب : أن أبا سعيد لم ينكر في ذلك القيمة وإنما أنكر المقوم -بفتح الواو المشددة- وأراد به إخراج المدين من القمح ; لأنه لم يعرف في الفطرة إلا التمر والشعير والأقط والزبيب . والدليل عليه ما سبق في إحدى رواياته : "إنما كنا نخرج على عهد رسول الله - عليه السلام - صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، أو صاع أقط لا نخرج غيره " .

                                                فإن قلت : ففي بعض رواياته : "كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير . . . " الحديث . وليس الطعام إلا الحنطة .

                                                قلت : قد بينت لك فيما مضى أن الطعام اسم لما يطعم مما يؤكل ويقتات ، فحينئذ يتناول الشعير والزيت والتمر والأقط ونحو ذلك .




                                                الخدمات العلمية