الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 384 ] باب ) إنما تصح مساقاة [ ص: 385 ] شجر وإن بعلا ذي ثمر لم يحل بيعه [ ص: 386 ] ولم يخلف إلا تبعا

[ ص: 384 ]

التالي السابق


[ ص: 384 ] باب ) في بيان أحكام المساقاة

( إنما تصح ) أي توافق الحكم الشرعي ( مساقاة ) مشتقة من السقي لأنه غالب عملها وهو من العامل فقط فهي عن المستعمل في فعل فاعل واحد كسافر وعافاه الله تعالى ، وهو قليل ، والكثير استعماله في فعل فاعلين عليهما كالمشاركة والمقاصة وهي رخصة مستثناة من الإجارة بمجهول وكراء الأرض بما يخرج منها إن اشتملت على بياض ، أي أرض خالية يزرعها العامل وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، بل قبل وجودها وبيع الغرر . ابن عرفة المساقاة ، عقد على عمل مؤنة النبات بقدر لا من غير غلته لا بلفظ بيع أو إجارة أو جعل فيدخل قولها لا بأس بالمساقاة على أن كل الثمر للعامل ومساقاة البعل ا هـ . الحط يبطل طرده بعقدها بلفظ عاملتك لأنها ليست بمساقاة عند ابن القاسم . " غ في تكميله انظر هل يبطل طرده بالمساقاة بكيل معلوم لاندراجه في القدر . البناني لو قال بدل قوله بقدر ببعض غلته أو كلها لكان أحسن . ابن عرفة وفيما تلزم به أربعة أقوال . الأول العقد . الثاني الشروع . الثالث حوز المساقي فيه . الرابع أولها لازم وآخرها كالجعل ، والأول نقل الأكثر عن المذهب ، وهو مذهب المدونة . اللخمي هي مستثناة من بيع الثمر قبل بدو صلاحه والغرر لأنه إن أصيبت الثمرة كان عمله باطلا مع انتفاع رب الحائط به والجهل بقدر الحظ وربا الطعام نسيئة إن كان في الحائط حيوان يطعمه العامل ، ويأخذ عوضه طعاما . ابن عرفة والدين بالدين لأن عمله في الذمة وعوضه متأخر . ابن شاس ومن المخابرة وهو كراء الأرض بما يخرج منها إن كان فيها بياض يزرعه العامل . [ ص: 385 ]

( تنبيهان ) الأول : نظر طفى في جعل المساقاة لما كان من فاعل واحد بأن الأصل في فاعل اقتسام الفاعلية والمفعولية وهي المشاركة ، ووروده للواحد قليل محصور عند النحاة ، إما لموافقة أفعل ذي التعدي نحو عاليت رحلي على الناقة وأعليته ، أو لموافقة فعل نحو جاوزت الشيء وجزته ، وواعدت زيدا ووعدته ، أو للإغناء عنهما كقاموا وبارك الله ، ومنه سافر عند من لم يثبت سفرا ، ومع ذلك فهو موقوف على السماع فليس لنا استعماله في غير المفاعلة إلا بسماع ، فلا يستعمل ضارب بمعنى ضرب ، ومنه ساقى فيتعين الجواب بأنه باعتبار العقد من الجانبين .

الثاني : مصب الحصر الشروط أو الشجر بقيد محذوف أي لا تصح صحة مطلقة عن شرط عجز ربه إلا في الشجر ( شجر ) ذي أصل ثابت تجنى ثمرته وتبقى أصوله ، وشمل الشجر النخل إن كان الشجر يحتاج لسقي ، بل ( وإن كان بعلا ) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة أي لا يحتاج لسقي لشربه بعروقه من نداوة الأرض كشجر الشام وإفريقية فيها لا بأس بمساقاة النخل وفيها ما لا يحتاج إلى سقيه كمساقاة شجر البعل لأنها تحتاج إلى عمل ومؤنة . المتيطي يجوز أن يجمع بين شجر البعل والسقي على جزء واحد ، وقد كان في خيبر البعل والسقي وكانت على سقاء واحد ( ذي ثمر ) بفتح المثلثة والميم . عياض من شروط المساقاة أنها لا تصح إلا في أصل يثمر أو ما في معناه من ذوات الأزهار والأوراق المنتفع بها كالورد والآس فلا تصح المساقاة فيما لا يثمر أصلا كالصفاف والأثل والصنوبر ، ويشترط كونه يثمر في عامه فلا تصح في الودي الذي لا يثمر في عامه إلا إذا كان قليلا تابعا لما يثمر في عامه ، فتجوز المساقاة في الحائط ، وفيه ما لا يثمر في عامه ويكون ما لا يثمر في عامه تابعا لما يثمر فيه كما يفهم من كلام المنتقى فقول المصنف إلا تبعا راجع لهذه أيضا ، أفاده الحط ( لم يحل بيعه ) أي الثمر فإن حل بيعه فلا تصح مساقاته . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه المساقاة في كل ذي أصل من الشجر جائزة ما لم [ ص: 386 ] يحل بيع ثمرها على ما يشترط من ثلث أو ربع أو أقل أو أكثر ، وتجوز على أن للعامل جميع الثمرة كالربح في القراض .

وفي الموطإ مساقاة ما حل بيعه كالإجارة . وقال سحنون في مساقاة ما حل بيعه هي إجارة جائزة . ابن يونس لجواز بيع نصفه ولأن ما يجوز بيعه تجوز الإجارة به ا هـ . " ق " الحط احترز مما حل بيعه بأن أزهى بعض الحائط فلا تصح مساقاته ، ففيها وإن أزهى بعض الحائط فلا تجوز مساقاة جميعه لجواز بيعه . ابن ناجي تسامح في قوله مساقاة جميعه ، ومراده مساقاة شيء منه إذ لا ضرر على ربه في عدمها لجواز بيعه ، وهذا هو المشهور . وقال سحنون تجوز مساقاته ا هـ . قلت ينبغي أن لا تجوز المساقاة في الحائط الذي لم يزه ثمره إذا أزهى ما يجاوره من الحوائط لجواز بيعه بإزهاء مجاوره ، وإذا عمل رب الحائط في حائطه مدة ثم ساقى عليه قبل إثماره أو بعده وقبل حل بيعه جاز ، بشرط أن لا يرجع على العامل بأجرة سقيه ولا بشيء منها قاله في سماع أشهب . ابن رشد فإن ساقاه بعد أن سقى أشهرا على أن يتبعه بما سبق فإنه يرد إلى أجرة مثله .

( ولم يخلف ) الشجر بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام ، أي لا يثمر ثمرة ثانية قبل جذ الثمرة الأولى في عامه . الحط احترز به مما يخلف كالبقول والقضب بالضاد المعجمة والموز والقرط بضم القاف وبالطاء المهملة قاله في المدونة . اللخمي والكرات وكل ما ليس بشجر ، وإذا جز أخلف فلا تجوز مساقاته ، وإن عجز ربه عن عمله قاله في المدونة . والفرق بين البصل والكراث أن البصل جرت العادة فيه بقلعه بأصوله ، والكراث جرت العادة فيه بجزه وإبقاء أصوله في الأرض لتخلف ( إلا ) أن يكون ما لا يثمر ، وما حل بيع ثمره وما يخلف ثمره ( تبعا ) لما يثمر ولما لم يحل بيع ثمره وما لا يخلف فتجوز المساقاة في الجميع . " غ " ينبغي أن يكون منطبقا على قوله لم يحل بيعه ولم يخلف . أما الثاني فظاهر من لفظه لاتصاله به وهو منصوص في الموز في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب المساقاة ، ونصه سهل مالك رضي الله تعالى عنه [ ص: 387 ] عن الرجل يساقي النخل ، وفيها شيء من الموز الثلث فدونه فقال إني أراه خفيفا . سحنون إن كان الموز يساقى مع النخل جاز ، وإن اشترطه العامل فلا يجوز . ابن رشد قول سحنون مفسر لقول مالك رضي الله تعالى عنهما . وفيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه لا بأس أن يساقي الحائط وفيه من الموز ما هو تبع قدر الثلث فأقل ، ولا يكون لأحدهما ويكون بينهما على سقاء واحد مثل الزرع الذي مع النخل ، وهو تبع لها كما قال ابن القاسم . وأما الأول فهو الذي تعرض له ابن الحاجب قال ويغتفر طيب نوع يسير منه ، أي إذا كان في الحائط أنواع مختلفة حل بيع بعضها وكان الذي أزهى منه الأقل جازت المساقاة وإلا فلا تجوز فيه ولا في غيره ، حكاه الباجي عن الموازية ، وحكى اللخمي عنها المنع . ابن عبد السلام لعل معناه إذا كان كل مما طاب وما لم يطب كثيرا وقبله في التوضيح ، وزاد أما لو كان الحائط كله نوعا واحدا وطاب بعضه فلا تجوز مساقاته لأنه يطيب بعضه حل بيعه ، قاله ابن يونس وغيره ، وعنه احترز ابن الحاجب بقوله نوع ، وجزم ابن عرفة بأن نقل الباجي خلاف نقل اللخمي .




الخدمات العلمية