الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو قارض بلا إذن [ ص: 349 ] وغرم للعامل الثاني ، إن دخل على أكثر : كخسره ، وإن قبل عمله والربح لهما :

التالي السابق


( أو قارض ) العامل بمال القراض عاملا آخر وتنازع زرع وساقى ، وشارك وباع وقارض في ( بلا إذن ) من رب المال فيضمن فيها لا يبضع العامل من المال بضاعة . فإن [ ص: 349 ] فعل ضمن ولو أذن له رب المال في ذلك جاز ما لم يأخذه ، ولا يشارك بالمال أو يقارض به إلا بإذن رب المال ، فإن قارض بغير إذنه ضمن ( وغرم ) العامل الأول ( للعامل الثاني ) الزائد على الجزء الأول ( إن دخل ) العامل الثاني مع العامل الأول ( على ) جزء من الربح ( أكثر ) من الجزء الذي دخل عليه العامل الأول مع رب المال بأن كان الأول ربعا والثاني نصفا على المشهور .

وقال أشهب يستحق الثاني ما دخل عليه مع الأول من الربح ويرجع رب المال على الأول بما زاد . وأما لو دخل الثاني مع الأول على أقل مما دخل الأول عليه مع رب المال بأن كان الأول نصفا والثاني ربعا لكانت الثلاثة الأرباع لرب المال ولا شيء للعامل الأول ، فيها إن أخذ قراضا على النصف فتعدى فدفعه إلى غيره قراضا على الثلثين ضمن عند الإمام مالك رضي الله تعالى عنه ، فإن عمل به الثاني فربح كان لرب المال نصف الربح ، وللعامل الثاني نصفه ، ثم يرجع الثاني ببقية شرطه وهو السدس على العامل الأول وكذلك في المساقاة بعض القرويين . الصواب أن يرجع في المساقاة بربع قيمة عمله لأنه باع بثمرة استحق ربعها .

وشبه في غرم العامل الأول للعامل الثاني تمام ما دخل معه عليه فقال : ( كخسره ) أي العامل الأول بعض رأس المال ودفع باقيه لمن يعمل فيه بلا إذن ربه فربح قيمة ما يجبر الخسر كله أو بعضه فيجبر المال بربح الثاني ، ويغرم له الأول حصته مما جبر به الخسر . وأصل الخسر النقص بسبب التجر وأراد به مطلق النقص سواء كان بتجر أو نحو سرقة بدليل المبالغة عليه بقوله إذا كان الخسر بعمله ، ( وإن ) كان الخسر ( قبل عمله ) أي العامل الأول في المال بنحو سرقة ثم دفع باقيه للعامل الثاني فربح فيه ما يجبر خسر الأول كله أو بعضه ، فيجبر رأس المال من ربح العامل الثاني .

( والربح ) أي القدر الزائد منه على ما يجبر به رأس المال ( لهما ) أي رب المال [ ص: 350 ] والعامل الثاني على حسب ما دخل عليه رب المال مع العامل الأول ، ويغرم العامل الأول للثاني حصته مما جبر به رأس المال وتمام ما دخل معه عليه إن كان أكثر مما دخل عليه رب المال مع الأول ، مثاله دفع رب المال للأول خمسين يعمل بها على ثلث ربحها فنقصت عشرين بتجره أو نحو سرقة ودفع الثلاثين الباقية لمن يعمل بها على نصف ربحها ، فصارت بتجر الثاني مائة وعشرة فلرب المال خمسون رأس ماله والباقي ستون ، يعطي العامل الثاني ثلثها عشرين ويأخذ ثلثيها أربعين ، ويغرم العامل الأول للعامل الثاني عشرة عوض نصف العشرين التي جبر بها المال من ربح الثاني ، وعشرة أيضا تمام نصف الستين ، فيتم له أربعون ، وهي نصف ربحه وهو ثمانون فيها إذا أخذ المقارض المال على النصف فدفعه إلى آخر على الثلث فالسدس لرب المال ، ولا شيء للمقارض الأول لأن القراض جعل فلا يستحق إلا بالعمل ، ولو كانت ثمانون دينارا فخسر الأول منها أربعين ثم دفع الأربعين إلى الثاني على النصف أيضا ، فصارت مائة ولم يعلم الثاني ذلك فرب المال أحق بأخذ الثمانين رأس ماله ونصف ما بقي ، وهي عشرة ، ويأخذ الثاني عشرة ويرجع على الأول بعشرين دينارا ، وهي تمام نصف ربحه على الأربعين .




الخدمات العلمية