الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 103 ] وغلة مستعمل

التالي السابق


( و ) له ( غلة ) مغصوب ( مستعمل ) بضم الميم الأولى وفتح الثانية من رقيق ودابة ودار وغيرها ، سواء استعمله الغاصب أو أكراه على المشهور عند المازري وصاحب المعين وهو الصحيح إذ لا حق للغاصب . وروى المازري لا ضمان على الغاصب مطلقا ورجح [ ص: 104 ] لخبر { الخراج بالضمان } ، ومفهوم مستعمل أن ما له غلة ولم يستعمل كالرقيق لا يستعمله والدار يغلقها والأرض يبورها والدابة يحبسها لا تلزمه غلته وهو المشهور . وقيل تلزمه وصوبه الأشياخ واختلف فيمن غصبت دنانيره أو دراهمه وأنفقها الغاصب أو اتجر بها فقيل لا شيء له إلا رأس ماله وشهر . وقال ابن حارث اتفقوا أن الربح للغاصب فيما غصبه من مال أو سرقة والخسارة عليه . وقيل له ربحه إن كان الغاصب معسرا . وقيل له مقدار ما كان يربح فيه لو كان بيده ، وظاهر كلام المصنف أن الغلة للمغصوب منه ولو هلك المغصوب وهو كذلك فيأخذ غلة المغصوب وقيمته ونحوه في الكافي أفاده تت .

طفي لا ينبغي له أن يعتمد هذا وإن عزاه في الكافي لأصحاب مالك رضي الله تعالى عنهم لأنه خلاف مذهب ابن القاسم في المدونة ففيها وما أثمر عند الغاصب من نخل أو شجر أو تناسل من الحيوان أو جز من الصوف أو حلب من اللبن ، فإنه يرد ذلك كله مع ما اغتصب لمستحقه وما أكل يرد المثل فيما له مثل والقيمة فيما لا يقضى فيه بمثله ، وإن ماتت الأمهات وبقي الولد أو ما جز منها وحلب يخير ربها ، فإما أن يأخذ قيمة الأمهات ولا شيء له فيما بقي من ولد أو صوف أو لبن ولا في ثمنه إن بيع ، وإن شاء أخذ الولد إن كان ولد أو ثمن ما بيع من صوف أو لبن ونحوه ، وما أكل الغاصب من ذلك فعليه مثله فيما له مثل والقيمة فيما يقوم ولا شيء عليه من قبل الأمهات ، ألا ترى أن من غصب أمة ثم باعها فولدت عند المبتاع ثم ماتت فليس لربها أن يأخذ أولادها وقيمة الأمة من الغاصب ، وإنما له أخذ ثمنها من الغاصب أو قيمتها يوم غصبها ، أو يأخذ الولد من المبتاع ولا شيء عليه ولا على الغاصب من قيمة الأم ثم يرجع المبتاع على الغاصب بالثمن ا هـ .

واقتصر ابن رشد في بيانه ومقدماته على هذا ، وكذا ابن عرفة ، ولم يعرج ابن رشد على ما في الكافي على أن صاحب الكافي معترف بأن ما نقله تت خلاف مذهب ابن القاسم ، فإنه حكى قولين أحدهما إن أخذ القيمة فلا غلة له ، قال وهو قول ابن القاسم ، والثاني أن له أخذ القيمة مع الغلة ، قال وهو الصحيح ، وعليه جمهور أهل المدينة من أصحاب [ ص: 105 ] مالك وغيرهم . " ق " ابن عرفة في غرم الغاصب غلة المغصوب خمسة أقوال فيها لابن القاسم وكل ربع اغتصبه غاصب فسكنه أو اغتله ، أو أرض فزرعها فعليه كراء ما سكن أو زرع لنفسه وغرم ما أكراها به من غيره ما لم يحاب ، وإن لم يسكنها ولا انتفع بها ولا اغتلها فلا شيء عليه .

ابن القاسم وما اغتصب من دواب أو رقيق أو سرقه فاستعملها شهرا وطال مكثها بيده أو أكراها وقبض كراءها فلا شيء عليه في ذلك ، وله ما قبض من كرائها وإنما لربها عين شيئه وليس له أن يلزمه قيمتها إذا كانت على حالتها لم تتغير في بدنها ولا ينظر إلى تغير سوقها . وأما المكتري والمستعير يتعدى المسافة تعديا بعيدا ، أو بحبسها أياما كثيرة ثم يردها بحالها فربها يخير في أخذ قيمتها يوم التعدي ، أو يأخذها مع كراء حبسه إياها بعد المسافة ، وله في الوجهين على المكتري الكراء الأول والسارق أو الغاصب ليس عليه في مثل هذا قيمة ولا كراء إذا ردها بحالها ، ولولا ما قاله مالك لجعلت على السارق والغاصب كراء ركوبه إياها وأضمنه قيمتها إذا حبسها عن أسواقها كالمكتري ، ولكني آخذ فيهما بقول مالك رضي الله تعالى عنه ا هـ . الباجي الفرق أن الغاصب غصب الرقبة فيضمنها دون منافعها ، بخلاف المكتري والمستعير فتعدى على المنافع فضمنها . الحط قوله وغلة مستعمل هذا هو المشهور أنه يضمن غلة ما استعمله من رباع وحيوان ، وهو خلاف مذهب المدونة ، فإنه قال في كتاب الغصب لا يرد غلة العبيد والدواب . وقال في كتاب الاستلحاق لا يرد غلة الحيوان مطلقا وما مشى عليه المصنف . قال في التوضيح صرح المازري وصاحب المعين وغيرهما بتشهيره ، وشهره ابن الحاجب ، وقال ابن عبد السلام هو الصحيح عند ابن العربي وغيره من المتأخرين . .




الخدمات العلمية