الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 143 ] والمتعدي : جان على بعض غالبا

التالي السابق


ولما أنهى الكلام على الغاصب عقبه الكلام على المتعدي لتناسبهما فقال ( و ) الشخص ( المتعدي ) بكسر الدال المهملة . ابن عرفة التعدي المازري هو غير الغصب أحسن ما ميز به عنه أن التعدي الانتفاع بملك الغير بغير حق دون قصد تملكه الرقبة أو إتلافه أو بعضه دون قصد تملكه . قلت وحاصل مسائل التعدي أنه الانتفاع بمال الغير دون حق فيه خطؤه كعمده ، والتصرف فيه بغير إذنه ولا إذن قاض أو من يقوم مقامه لفقدهما ، فيدخل تعدي المقارض وسائر الأجراء والأجانب شخص ( جان ) بجيم ونون من الجناية ( على بعض ) من شيء لغيره ولما لم يشمل هذا تعدي المكتري والمستعير دابة المسافة التي اكترى أو استعار لها لتعديه عليها كلها زاد لإدخاله ( غالبا ) إذ مفهومه أن من غير الغالب التعدي على جميع الشيء كما تقدم ، وكاستعمال مودع بالفتح وديعة . " غ " اختصر هنا قول ابن الحاجب وفيها المتعدي يفارق الغاصب لأن المتعدي جنى على بعض السلعة والغاصب أخذها ، ككسر الصفحة وتحريق الثوب وزاد غالبا لقول ابن عبد السلام إنه لا يعم صور التعدي ، ألا ترى أن المكتري والمستعير إذا زاد في المسافة يكون حكمهما حكم المتعدي لا حكم الغاصب ، وكذلك من أودعت عنده دابة أو ثوب فاستعملها فهذا الفرق الذي ذكره عنها لا يكفي في هذا الموضع وقبله في التوضيح . ابن عرفة قوله لا يعم صور التعدي بناء منه على أن جناية المكتري والمستعير على الدابة ، ويرد بأن من أجزائها ملكها من حيث كونها مأخوذة وجنايتهما لم تتعلق به ، ولذا فرق فيها بين هبة العبد وبين هبة خدمته لرجل حياته ورقبته بعده لآخر في زكاة فطره والجناية عليه . ومقتضى الروايات أن المتعدي هو المتصرف في شيء بغير إذن ربه دون قصد تملكه وبالله تعالى التوفيق .

ابن عرفة ابن الحاجب إن غصب السكنى فانهدمت الدار فلا يضمن إلا أجرة [ ص: 144 ] السكنى . ابن عبد السلام معناه أنه غير غاصب للذات لأنه لم يقصده ملك رقبتها فهو متعد ، وقد علم الفرق في المذهب بين المتعدي والغاصب وهو حسن لو طردوه ، ولكنهم جعلوا المتعدي على الدابة المكتراة أو المعارة ضامنا للرقبة .

فإن قلت المتعدي على الدابة ناقل لها . قلت أسقط أهل المذهب وصف النقل في حد المغصوب عن درجة الاعتبار في ضمان الغاصب ، وكذا ينبغي في المتعدي . قلت ظاهر لفظ ابن الحاجب وشارحه أنه لا يضمن الدار ولا شيئا منها سكن جميعها أو بعضها ، وهو خلاف نقل ابن شاس عن المذهب . قال لو غصب السكنى فقط فانهدمت الدار إلا موضع سكناه فلا يضمن ، ولو انهدم مسكنه لضمن قيمته والتحقيق في ذلك إجراء المسألة على حكم هلاك المتعدي فيه مدة التعدي بأمر سماوي لا تسبب فيه للمتعدي ، وتقدم تحصيله في العارية ، فنقل ابن الحاجب على لغو ضمانه بذلك ، ونقل ابن شاس على ضمانه بذلك ، وبهذا تبين لك ضعف مناقضة ابن عبد السلام بين مسألة التعدي بالسكنى ومسألة التعدي بالركوب لأن الهلاك في زمن التعدي بالركوب لا يعلم كونه بغير سبب المتعدي ، والهدم يعلم كونه لا بسببه وقياسه في آخر كلامه التعدي على الغصب واضح رده بما فرق به أهل المذهب بين التعدي والغصب من ذلك اعتبار لازمي ذاتيهما لازم ذات الغصب قصد تملك الرقبة ، فلم يفتقر معه في الضمان إلى نقل ولازم ذات التعدي البراءة من قصد تملك الذات فناسب وقف ضمانها على التصرف فيها بالنقل . .




الخدمات العلمية