الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 393 ] لا أجرة من كان فيه ، [ ص: 394 ] أو خلف من مات أو مرض كما رث على الأصح :

التالي السابق


( لا ) يلزم العامل ( أجرة من ) أي الرقيق والدواب الذي ( كان فيه ) أي الحائط يوم عقد المساقاة . الحط يعني أن حكم الأجرة مخالف لحكم النفقة والكسوة فإنه إنما يلزم العامل أجرة من استأجره هو ، وأما من كان في الحائط عند عقد المساقاة فأجرته على ربه في التوضيح ، كذا في الواضحة ، وقيده اللخمي بما إذا كان الكراء وجيبة ، قال وإن كان الكراء غير وجيبة كان حكمه حكم ما لا أجراء فيه ، وخالف في ذلك الباجي ، ورأى أن ذلك على رب الحائط ولو كان غير وجيبة ، قال هذا إذا كان مستأجرا لجميع العامل ، فإن كان مستأجرا لبعضه فلم أجد فيه نصا ، وعندي أن عليه أن يستأجر من يتم العمل لأنه لو مات للزمه ذلك فكذلك إذا انقضت مدة إجارته ا هـ . وما ذكره عن الواضحة هو ظاهر المدونة ، ففيها وما كان في الحائط يوم التعاقد من دواب ورقيق فخلف من مات منهم على رب الحائط ، وإن لم يشترط العامل ذلك ، وأن عليهم عمل العامل ولو شرط خلفهم على العامل فلا يجوز ، وليس فيها التصريح بأن الأجرة على رب الحائط كما قال الشارح

وأما كلام اللخمي فخالف لظاهرها لأنه إذ كان عليه خلف من مات من الأجر ، فذلك يقتضي أن الأجرة عليه سواء كان وجيبة أو غيرها وكذلك إذا انقضت الإجارة في بعض العام فظاهرها أنه يلزمه إتمام الأجرة في بقية السنة أو استئجار شخص خلفه . ابن ناجي ذكر الموت فيها طردي ، لقول اللخمي الإباق والتلف في أول العمل والموت قلت وقال اللخمي أيضا لو أراد رب الحائط أن يخرج من فيه ويأتي بمن يعمل عملهم فلا يكون للعامل فيه مقال والله أعلم . [ ص: 394 ] أو خلف ) بفتح الخاء المعجمة واللام أي تعويض ( من مات ) من رقيق الحائط ودوابه ( أو ) من مرض فليس على العامل ، بل على رب الحائط فيها لا يجوز للعامل أن يشترط على رب الحائط خلف ما أدخل العامل فيه من رقيق أو دواب إن هلك وأما ما كان في الحائط يوم التعاقد من دواب أو رقيق فخلف من مات منهم على رب الحائط وإن لم يشترط العامل ذلك ، وعليهم عمل العامل ، ولو شرط خلفهم على العامل فلا يجوز . ابن حبيب فإن شرط العامل على رب الحائط خلف ما أدخل العامل فيه أو شرط رب الحائط على العامل خلف ما هلك مما كان لرب الحائط فيه رد العامل في الوجهين إلى أجرة مثله . الباجي من مات من الرقيق والأجراء والدواب أو مرض أو منعه مانع من العمل ممن هو صاحب الحائط فعليه خلفه لأن العقد كان على عمل في ذمة صاحب الحائط ، ولكن تعين بهؤلاء بالتسليم واليد .

وشبه في لزوم العامل فقال ( ك ) خلف ( ما رث ) بفتح الراء والمثلثة مشددة أي بلى وتقطع من الدلاء والحبال إذا فنيت في الزمن الذي يفنى فيه مثلها عادة فخلفها على العامل لا على ربها لأن لها وقتا معلوما تفنى فيه ، بخلاف ضياعها وموت الدواب فخلفها على رب الحائط ( على الأصح ) عند الباجي من الخلاف . قال لو استعمل ما في الحائط من الحبال والآلة حتى خلق فعلى العامل خلفه ، ولو سرق فعلى رب الحائط خلفه قاله بعض شيوخنا . وقيل على رب الحائط خلفه في الوجهين ، والأول أظهر فالمناسب تقديم هذا عقب قوله وأنفق وكسا ، وقبل قوله لا أجرة من كان فيه لإيهام تأخيره أنه تشبيه في عدم لزوم العامل ، وهذا وإن كان قولا إلا أن الباجي لم يصححه فلا يصح تمشية كلامه عليه .

" غ " في بعض النسخ لا ما رث على الأصح بالنفي ، أي لا يلزم العامل خلف ما رث ، وهذا صحيح ، وفي بعضها بالتشبيه وعلى هذا فمن حقه ذكره قبل قوله لا أجرة إلخ الحط يعني إن كان في الحائط من حبال وأدلية وآلات وحديد ونحو ذلك عند عقد المساقاة ، [ ص: 395 ] فإنه يكون للعامل ولا يجوز لرب الحائط إخراجه ، وما لم يكن في الحائط فعلى العامل الإتيان به ، فإذا رث ما كان في الحائط من الآلات أي بلي فهل يجب على ربه خلفه أو على العامل ذكر الباجي في ذلك قولين قال وكونه على العامل أظهر لأنه إنما دخل على أن ينتفع به حتى تهلك عينه وأمد انتهائها معلوم ، بخلاف العبد والدابة فإنه لا يعلم أمد هلاكهما ، وجزم اللخمي بأن خلفها على العامل ولم يحك خلافه فقوله كما رث إن كان بكاف التشبيه كما في غالب النسخ حقه ذكره قبل قوله لا أجرة من كان فيه قاله " غ " لأنه مشبه بما هو على العامل خلف وإن كان بلا النافية فهو من المنفي قبله أي ليس على العامل خلف من مات أو مرض ممن كان فيه ، وعليه خلف ما رث ، فلو سرق ما كان في الحائط من الآلات كان على رب الحائط إخلافها اتفاقا ، فإذا أخلفها ربه انتفع العامل بها قدر ما كان ينتهي إليه المسروق ، ثم اختلف فيه ، فمن قال إذا بلي يلزم ربه خلفه . قال يستمر العامل على الانتفاع به ، ومن قال الخلف على العامل قال لربه أن يأخذه ، والله أعلم .




الخدمات العلمية