الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 51 ] 662 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تقديمه المحررين في العطاء على غيرهم من الناس ما كان مراده في ذلك

4274 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا عبد الله بن نافع الصائغ ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه أن معاوية رضي الله عنه لما قدم المدينة حاجا جاء عبد الله بن عمر فقال له معاوية : حاجتك يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال له عبد الله : حاجتي عطاء المحررين ، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جاءه شيء لم يبدأ بأول منهم .

[ ص: 52 ]

4275 - وحدثنا أبو أمية ، [ حدثنا ] خالد بن مخلد القطواني ، حدثنا أسامة بن زيد ، عن أبيه ، عن ابن عمر أنه قال لمعاوية : أمسكت عطاء المحررين ، ولم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بشيء أول منهم حين وجد .

[ ص: 53 ]

4276 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، أنبأنا عبد العزيز بن محمد ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس ، عن نوح بن أبي بلال ، عن أبي عتاب أن معاوية عام حج ، قال عبد الله بن عمر : ابدأ بالمحررين ; فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم قسما فبدأهم ، فبدأ معاوية ، فأعطى المحررين قبل الناس .

قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث لنقف على السبب الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحررين وهم الموالي المعتقون ما هو ؟ فوجدنا المحررين قد كانوا أعداء للمؤمنين يقتلونهم ، ويأسرونهم ، ويأخذون أموالهم ، وكان المؤمنون أيضا أعداء لهم يطلبون منهم مثل ذلك غير أنهم في طلبهم ذلك منهم مريدين بهم الخير وإدخالهم في الإسلام ، ليكون سببا لهم إلى الجنة ، وإلى الفوز في الدنيا والآخرة ، وكان ما يريده الكفار من المؤمنين لذلك ضدا ، لأنهم يدعونهم إلى النار ، وكان المؤمنون قد يأسرون المشركين ، فيحسنون إليهم ، وكان المشركون إذا أسروا المسلمين أساؤوا إليهم ، وعذبوهم ، وأجاعوهم ، وكان ما يريده [ ص: 54 ] المؤمنون بقتالهم المشركين حقا ، والذي يريده الكفار بقتالهم إياهم باطلا ، فكان الذي يكون من كل فريق من الفريقين هو من جنس ما يدعو إليه الفريق الآخر من القتال ، وكان أحد القتالين بحق والآخر بباطل ، وكان المؤمنون في قتالهم المشركين يريدون منهم الإيمان بالله عز وجل حتى يكونوا كهم فيما هم عليه في الدنيا ، وفيما يصيرون إليه في الآخرة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم جوابا للذي سأله عن ضحكه الذي كان منه ، فقال : " رأيت قوما يجرون إلى الجنة في السلاسل " يعني الكفار من العجم الذين كان المؤمنون يجرونهم بقتالهم إلى الإسلام الذي يكون سببا لدخولهم إلى الجنة ، وكان المؤمنون قد تقع أيديهم عليهم وهم على كفرهم الذي كانوا عليه ، فلا يقطع المؤمنون بذلك فيمن يبقى رقهم عليه من الإحسان إليهم ، ومن الفعال بهم [ ص: 55 ] أضداد ما كانوا يفعلونه بهم لو وقعت أيديهم عليهم ، ثم يعتقونهم فيعيدونهم بذلك أحرارا ، وإن كان المراد من المؤمنين ذلك بهم ابتغاء ما عند الله فيهم ، وإذا كان ذلك الإحسان منهم إليهم في كل الأحوال التي كانوا عليها حتى لحقهم بذلك العتاق منهم ، كان ما فعلوه بهم من العطاء الذي قد صاروا بذلك العتاق من أهله من الإحسان إليهم على مثل ما يكون الإحسان إلى أهله وهو تقديمهم في العطاء على من سواهم من أهله ليضاف ذلك الإحسان بعد تحريرهم إياهم إلى قديم إحسانهم إليهم حتى لا يفارقهم إحسانهم إليهم أبدا ما كانوا في الدنيا ، وهذا أحسن ما حضرنا في تأويل هذا الحديث ، والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ذلك . والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية