الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 173 ] 675 - باب بيان مشكل ما روي في حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره إياها بابتياع بريرة وهي مكاتبة قبل خروجها منها

قال أبو جعفر : في حديث عائشة الذي رويناه في الباب الذي قبل هذا الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها في بريرة بعد علمه أنها مكاتبة لأهلها : " ابتاعي ، وأعتقي " .

فقال قائل : وكيف يجوز أن تقبلوا مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أجمع أهل العلم أنه لا يجوز بيع المكاتب ، ولا يجوز أن تخالفوا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

فكان جوابنا له في ذلك أن بريرة قد كانت سألت عائشة في حديثها هذا ما سألتها ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بابتياعها من أهلها ، وحق المكاتبة الذي يمنع من بيع المكاتبين إنما هو للمكاتبين والمكاتبين لا من سواهم ، فإذا كان ذلك كذلك ، فاجتمع من له المكاتبة على البيع ممن هي له لمن هي عليه - كان في ذلك تعجيز لمن هي عليه نفسه ، وقبول لمن هي له عليه ذلك منه ، فجاز البيع بذلك لخروج المبيع من المكاتبة به .

[ ص: 174 ] فقال هذا القائل : وهل خرجت بريرة من المكاتبة قبل الابتياع الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بابتياعها وهي فيها ؟

فكان جوابنا له في ذلك أن البيع وقع من موالي بريرة وهي مكاتبة ، وكان في ذلك إبطال منهم ومن بريرة لتلك المكاتبة ، فعاد ذلك إلى عقد بيع ، وفي رقبته ما يمنع من بيعه كرهن كان فيه ، وكدين كان عليه ، وكإجارة كان فيها ، فكان لأهل تلك الحقوق المنع من بيعه لها ، فأطلقوا بيعه وتركوا المنع منه لحقوقهم فيه ، فلا اختلاف في ذلك بين أهل العلم أن البيع قد جاز فيه .

وقد كان أبو يوسف ومحمد بن الحسن اختلفا في هذه المسألة ، وهي بيع مولى المكاتب بإذنه قبل عجزه عن المكاتبة ، فأجاز أبو يوسف ذلك البيع ولم يجزه محمد ، لأن البيع إنما وقع في مكاتب تمنع مكاتبته بيعه ، وكان ما قال أبو يوسف في ذلك عندنا أولى مما قاله محمد بن الحسن فيه ، لما قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في بريرة ، ثم لما قد ذكرناه من النظر الذي يجب به ما قال مخالفوه فيه . وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية