الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 337 ] 695 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختلاف المتبايعين في الثمن

قال أبو جعفر : هذا باب يزعم أهل العلم بالأسانيد أن الذي يجدونه فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو

4481 - ما قد حدثناه يزيد بن سنان ، حدثنا المؤمل بن إسماعيل ، حدثنا سفيان الثوري حدثنا معن بن عبد الرحمن ، عن القاسم قال : قال : عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : البيعان إذا اختلفا وليس بينهما شاهد ، فالقول ما قال البائع ، أو يترادان .

[ ص: 338 ]

4482 - وما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا : حدثنا حماد بن زيد ، عن أبان بن تغلب ، عن القاسم بن عبد الرحمن أن الأشعث بن قيس اشترى من عبد الله رقيقا من رقيق الإمارة ، فأتاه يتقاضاه ، فاختلفا في الثمن ، فقال له عبد الله : ترضى أن أقضي بيني وبينك بما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا اختلف البيعان ، فالقول ما قال البائع ، أو يترادان ، أو يتتاركان .

[ ص: 339 ]

4483 - وما قد حدثنا بكار بن قتيبة ، حدثنا الحسين بن حفص ، حدثنا سفيان ، حدثنا معن بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، ثم ذكر مثل حديث يزيد عن مؤمل سواء .

قال أبو جعفر : فذكرت هذا الباب لأحمد بن شعيب ، وقلت له : هل عندك شيء يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال لي : نعم .

4484 - أخبرنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن إدريس يعني أبا حاتم ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن أبي عميس ، حدثني عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، عن أبيه ، عن جده قال : قال عبد الله : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا اختلف البيعان [ ص: 340 ] وليس بينهما بينة ، فهو ما يقول رب السلعة ، أو يتتاركان .

قال : فكان هذا الحديث هو الذي وجدناه موصولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ، وإن كان بعض الناس يذكر أنه يبعد في قلبه لقاء أبي عميس عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، لأن عبد الرحمن هذا ممن كان الحجاج قتله ، وذلك مما عسى أن يكون بعد التسعين إلى مائة ، فإن ذلك من قوله عندنا ليس بشيء ، لأن أبا عميس كبير السن ، ولأنه يقول في هذا الحديث : حدثني عبد الرحمن ابن الأشعث وأبو عميس ، فقد روى عن أمثال عبد الرحمن بن محمد من عطاء بن أبي رباح ، ومن الشعبي ، ومن القاسم بن عبد الرحمن .

وقد كنت أنا ذكرت هذا الباب قبل هذا لأحمد بن أبي عمران ، وقلت له : عندك شيء متصل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال لي : أما أن أجده منصوصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ، ولكن الحجة قد قامت به من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اليمين على المدعى عليه " ، وكان المتبايعان لما [ ص: 341 ] اختلفا في ثمن المبيع قد ادعى كل واحد منهما بيعا بثمن غير البيع الذي ادعاه صاحبه بالثمن الذي ادعاه ، فكانا بذلك متداعيين بيعين مختلفين ، وقد عقلنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليمين على المدعى عليه ، فعقلنا بذلك أنهما من أجل ذلك يتحالفان ، وتنتفي دعوى كل واحد منهما عن صاحبه ، ويكون العبد بحاله في يد المدعى عليه بغير حجة قامت له على الذي ادعى عليه البيع الذي ادعاه عليه فيه ، وبغير حجة قامت لمدعي البيع عليه بالبيع الذي ادعاه عليه فيه . فإن قال قائل : إن هذين المتداعيين قد أجمعا جميعا على أن المبتاع للعبد قد ثبت البيع فيه ، وإنما اختلفا في الثمن ، فالواجب أن يعودا إلى حكم رجلين ادعى أحدهما على الآخر مالا ، فصدقه في بعضه ، وأنكر بقيته ، فيلزمه ما أقر له به ، ويحلف له إن طلب يمينه على ما بقي مما ادعى عليه منه ، ويكون العبد سالما للمطلوب لاتفاقه وبائعه على ملكه .

فكان جوابي له في ذلك أن الأمر ليس في ذلك ، كما ذكروا أن الاختلاف في الثمنين اختلاف في العقدين ، وذلك أني رأيت الرجل إذا ادعى على رجل ألف درهم وخمس مائة ، وأنكر ذلك المدعى عليه ، وأقام عليه المدعي شاهدا بألف وشاهدا بالألف والخمس مائة التي ادعاها أنه يقضى له بالذي اتفق شاهداه عليه ، ورأيت ذلك لو كان منه في دعوى البيع بألف وخمس مائة ، وأقام شاهدين فشهد له أحدهما على ما ادعى ، وشهد له الآخر أن البيع كان بألف أن الشهادة باطلة ، وأنه لا يجب له فيها شيء ، فعقلت بذلك أن الاختلاف في الثمنين اللذين ذكرنا يوجب دعوى بيعين من المتداعيين ، وأن الاختلاف في مقدار الثمن المدعى به ولا إضافة له إلى ثمن بيع يوجب مالا [ ص: 342 ] واحدا مختلفا في مقداره . وإذا كان البيعان مختلفين فيما ذكرنا ، وحلف على ذلك متداعياهما ، وجب فسخ ما ادعاه كل واحد منهما على صاحبه ، ووجب سلامة العبد لمن هو في يده ، إذ لم تقم عليه حجة بما ادعي عليه فيه ، فغنيت بهذا عن طلب الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم المتداعيين في الثمن المختلفين فيه . قال : وقد كان أبو حنيفة وأبو يوسف جميعا يذهبان إلى ما قال هذا القائل الذي حاججته بهذه الحجة ، والذي عندي في ذلك ما قد ذكرته مما قد احتججت به في هذا الباب ، وهو مذهب محمد بن الحسن فيه . ولما قد ذكرت عن أبي حنيفة وأبي يوسف كانا يقولان : إذا اختلفا في ثمن المبيع تحالفا وترادا إذا كان المبيع قائما ، وإذا اختلفا فيه وهو فائت ، كان القول فيه قول المشتري ، قال أبو حنيفة : لأن الذي يوجبه القياس عندي في ذلك كله أن يكون القول قول المشتري ، ولكنه لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما ذكرت ، قلت به ، ورددت الجواب بعده إلى ما يوجبه القياس .

قال ابن أبي عمران : ولكني أقول لو لم يكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا شيء ، لكان القياس يوجب ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وإذا كان ذلك كذلك وجب استعماله في الحي وفي الميت ، لأن ما وجب رده إذا كان حيا وجب رد قيمته إذا كان فائتا .

قال أبو جعفر : وهذا معنى لطيف حسن ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية