الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 423 ] 707 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قاله ليزيد أبي معن في صدقته التي أخذها معن من الرجل الذي كان وضعها عنده : " لك ما نويت يا يزيد ، ولك يا معن ما أخذت "

4533 - حدثنا محمد بن خزيمة ، حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني ، حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن أبي الجويرية ، عن معن بن يزيد قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي ، وخطب علي ، فأنكحني ، وخاصمت إليه ، وكان أبي خرج بدنانير يتصدق بها ، فوضعها عند رجل ، فأخذتها ، فأتيته بها ، فقال : والله ما إياك أردت بها ، فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : لك ما نويت - لأبي - ولك ما أخذت يا معن .

[ ص: 424 ] قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا فيه ذكر معن أن أباه خرج بالدنانير التي كان خرج بها ليتصدق بها ، فوضعها عند الرجل الذي كان وضعها عنده ، فكان ذلك الوضع منه عند ذلك الرجل - والله أعلم - لتلك الدنانير ليضعها في الوجه الذي أخرجها له ، وكان ذلك الرجل له في ذلك وكيلا ، وكان تقدم من يزيد إرادته بتلك الدنانير الصدقة على غير ابنه على ما في الحديث مما قاله لابنه معن بعد أخذه صدقته من ذلك الرجل ، وكانت الوكالات إنما تكون بما يتكلم به الموكلون ويخاطبون به وكلاءهم لا بما ينوونه في ذلك ، ويكتمونه عنهم في قلوبهم ، وكان الثواب إنما يكون فيما يكون من نيات [ ص: 425 ] المتصدقين ومن سواهم من أهل الأعمال التي يطلب بها القرب إلى الله تعالى ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لامرئ ما نوى " مما سنذكره فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل . ولما كان الأمر فيما ذكرنا كما وصفنا ، وكان من يزيد أبي معن ما كان منه من النية التي كان نواها فيما كان أخرجه ليتصدق به ، كان له ثواب نيته ، وكان ما أخذه ابنه معن من ذلك قد أخذه ممن وكل فيه جائز الوكالة بما فعله فيه ، فجاز لمعن ما فعله له فيه وكيل أبيه فيما دفعه إليه ، وكان لأبيه ثواب ما نواه من الصدقة به على الغريب الذي كان أراد أن تكون صدقة عليه ، وقد احتج محمد بن الحسن بهذا الحديث لقوله فيمن تصدق بزكاة ماله على رجل يراه أجنبيا منه ، ثم علم بعد ذلك أنه أبوه أو ابنه أنه يجزئه ذلك ، وليس هذا عندنا من قوله بشيء ، ولا في هذا الحديث الذي احتج به حجة له فيه ، والدليل على ذلك - والله أعلم - أن تلك الصدقة لا تحل لقابضها ، لأنها زكاة مال أبيه ، وزكاة مال أبيه أو مال ابنه لا تحل له ، وإذا كانت لا تحل له كانت غير جازية عن أبيه ، أو عن ابنه الذي أعطاه إياها ، ومثل ذلك الرجل يدفع زكاة ماله إلى رجل على أنه فقير ، ثم يعلم بعد ذلك أنه غني ، فلا تجزئه أيضا ، لأنها حرام على الذي أعطيها ، وإذا كانت حراما عليه كانت غير جازية عن معطيه إياها ، وهذا قول أبي يوسف ، وهو أولى ما قيل في هذا الباب عندنا ، والله أعلم ، وإياه نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية