الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 37 ] 728 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدليل على الواجب فيما اختلف فيه أهل العلم في حكم الحكم الذي يحكمه الرجلان بينهما ، هل يكون جائزا عليهما كما يكون حكم الحاكم عليهما به ، وحتى لا يكون للحاكم إذا رفع إليه نقضه إذا كان مما يراه بعض أهل العلم وإن كان هو يرى خلافه .

4619 - حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا عمار بن خالد الواسطي ، أخبرنا القاسم بن مالك يعني : المزني ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، قال : قال عمر : إذا كان في سفر ثلاثة ، فليؤمروا أحدهم ، فذلك أمير أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 38 ]

4620 - وحدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، حدثنا علي بن بحر بن بري وأبو مسلم عبد الرحمن بن يونس ، قالا : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، قال : أخبرني محمد بن عجلان ، عن نافع مولى ابن عمر ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إذا كان ثلاثة في سفر ، فليؤمروا أحدهم ، قال نافع : فقلت لأبي سلمة : فأنت أميرنا .

قال أبو جعفر : ففي هذين الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الأمير الذي يؤمره الناس عليهم حيث يبعدون من أمرائهم كأمرائهم [ ص: 39 ] عليهم في وجوب السمع منهم والطاعة له ، فيما يأمرهم به أمراؤهم إذا كانوا بحضرتهم ، وإذا كان ذلك كذلك في الإمرة كان مثله في القضاء ، إذا حكم الرجلان المتنازعان في الشيء حكما بينهما فيما يتنازعان فيه ، فأمر ذلك الحكم فيما حكماه فيه كالحكم عليهما فيما يحكم به عليهما الحكم الذي جعله إمامهما الذي إليه تولية الحكام عليهما فيما يلزمهما من الحكم لهما وعليهما .

وهذه مسألة قد تنازع أهل العلم فيها .

فقال طائفة منهم : ما حكم به ذلك الحكم بين اللذين حكماه ، ثم رفع إلى الحاكم الذي جعله الإمام للناس حاكما تأمل ذلك ، فإن وافق ما يراه فيه أمضاه ، وإن خالف ما يراه فيه وإن كان غيره من العلماء يراه رده .

وممن كان يذهب إلى ذلك من أهل العلم أبو حنيفة وأصحابه .

ومنهم من قال : ليس للحاكم المرفوع ذلك الحكم إليه رده ولا إبطاله ، إلا أن يكون خارجا من أقوال أهل العلم جميعا فيرده ويبطله .

وأما إذا لم يكن كذلك فليس له رده ، ولا إبطاله ، وكان عليه أن يمضيه كما يمضي حكم حاكم كان قبله من الحكام .

وممن كان يقول ذلك من أهل العلم ابن أبي ليلى ، وفقهاء المدينة ، وقد كان الشافعي قال القولين جميعا .

[ ص: 40 ] وكان أولى القولين عندنا في ذلك وأشبههما بالحق ما قاله ابن أبي ليلى وأهل المدينة فيه ، لإجماعهم ومن خالفهم على ما يوجب ذلك ، وذلك أنا رأيناهم لا يختلفون أن ذينك الرجلين لو أرادا بعد ما كان من ذلك الحكم ما كان من الحكم بينهما رد ذلك الحكم عنهما ، أو أراده أحدهما قبل أن يصير إلى الحاكم أن ذلك ليس لهما ولا لواحد منهما ، إذ كان قد لزمهما بحكم الحكم فيه بينهما بما حكم بينهما فيه ، ولما كان ذلك كذلك في لزومه إياهما قبل أن يصير إلى الحاكم ثم صار إلى الحاكم وهو لازم لهما ، وكان سبيل الحكام فيما يتناهى إليهم مما قد لزم قبل ذلك شده لا إبطاله ، وجب عليه بذلك شد ما كان من ذلك الحكم بين ذينك الرجلين وإمضاؤه بينهما كما يمضي حكم حاكم حكم بينهما من حكام الأئمة الذين يولونهم الأحكام بين الناس ، والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية