الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 62 ] 732 - باب بيان مشكل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعف الناس قتلة أهل الإيمان في إسناده ومتنه

4636 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن شباك ، عن إبراهيم ، عن هني بن نويرة ، عن علقمة ، عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أعف الناس قتلة أهل الإيمان .

[ ص: 63 ]

4637 - وحدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم ، عن هني بن نويرة ، قال : جلست إلى علقمة ، فقال علقمة : سمعت ابن مسعود يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إن أعف الناس مثلة أهل الإيمان .

قال أبو جعفر : فاختلف شعبة وأبو عوانة على مغيرة في إسناد هذا الحديث ، فأدخل شعبة في إسناده شباكا بين مغيرة وبين إبراهيم ، ولم يدخل أبو عوانة بينهما فيه أحدا ، وقد اختلف على هشيم في إسناد هذا الحديث ، عن مغيرة .

[ ص: 64 ]

4638 - فحدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا بشر بن آدم ، حدثنا هشيم ، حدثنا مغيرة ، عن شباك ، عن إبراهيم ، عن هني بن نويرة ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان .

وكان في حديث هشيم هذا من حديث بشر بن آدم موافقة شعبة في إسناد هذا الحديث ، عن مغيرة ، وقد خالفه فيه غير واحد من أصحاب هشيم ، فرووه عنه على موافقة أبي عوانة في إسناده ، فمنهم سعيد بن منصور .

4639 - كما قد حدثنا يوسف بن يزيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، عن هني بن نويرة ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن أعف [ ص: 65 ] الناس قتلة أهل الإيمان .

ومنهم : موسى بن داود .

4640 - كما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن هني بن نويرة ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .

ومنهم : محمد بن الصباح الدولابي .

4641 - كما حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الذهلي الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن الصباح الدولابي ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا مغيرة ، عن إبراهيم ، عن هني ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

ومنهم : عمرو بن عون الواسطي .

4642 - كما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، قال : أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن هني بن نويرة ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله .

[ ص: 66 ] قال أبو جعفر : فسمعت ابن أبي داود يقول : قلت لعمرو بن عون : أسمع هشيم هذا الحديث من مغيرة ؟ فقال : نعم ، قد حدثنا به ، وقال فيه : أخبرنا مغيرة وما سمعت ذكر فيه شباكا قط ، وسمعت ابن أبي داود يقول : كان هشيم ربما ذكر فيه شباكا ، إلا أنه كان إذا قال فيه : أخبرنا مغيرة ، لم يذكر فيه شباكا ، وإذا لم يقل : أخبرنا فيه مغيرة ، ذكر فيه شباكا .

قال أبو جعفر : وقد يحتمل أن يكون قد سمعه من مغيرة ، وكان مرة يذكر فيه شباكا ، ومرة لا يذكر فيه ، حتى لا تتضاد الروايات عنه فيه .

ثم نظرنا : هل رواه عن إبراهيم غير مغيرة .

فوجدنا محمد بن علي بن زيد المكي قد حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : يقال : أعف الناس مثلة أهل الإيمان ، ولم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ووجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا علي بن معبد ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : كنا مع علقمة في [ ص: 67 ] المسجد ، فرأى الناس يعدون نحو باب القصر ، فقال : ما لهم ؟ فقلت : أو قال إنسان : إن زيادا أو ابن زياد يمثل بابن المكعبر ، قال : كان أحسن الناس قتلة المسلم ، ولم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عبد الله ، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث ، عن إبراهيم غير مغيرة ومنصور .

ثم رجعنا إلى متن هذا الحديث ، فوجدنا بعض الناس قد طالب فيه بمعنى ، فقال : قد رويتم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة العرنيين الذين كان منهم في لقاحه ما كان من قتلهم الراعي الذي كان فيه واستياقهم إياه ، وبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم حتى أدركوا ، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا ، فحديث عبد الله الذي ذكرتموه في هذا الباب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع ما قد رويتموه عنه فيه فيما فعل في العرنيين ، ويخالف أيضا لما قد رويتموه [ ص: 68 ] عنه سوى ذلك .

4643 - فذكر ما قد حدثنا المزني ، حدثنا الشافعي ، عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث ، عن شداد بن أوس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته .

[ ص: 69 ] وإذا كان ذلك هو الذي يجب أن يمتثل في غير بني آدم ، كان امتثاله فيما حل قتله من بني آدم أولى .

فكان من حجتنا عليه في ذلك : أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرنيين كان قبل نزول آية المحاربة ، وكان ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك هو حكم الله عز وجل ، وكان في ذلك الفعل في ذلك الوقت ، كما أن من حكمه عز وجل رجم الزناة المحصنين حتى يقتلوا بذلك ، وإن هربوا اتبعوا حتى يؤتى على أنفسهم ، وفي ذلك ما قد يجوز أن تتسع فيه المدة ، وإذا كان ذلك كذلك في الزناة المحصنين لم يكن منكرا أن يكون قد كانت العقوبة فيما كان من العرنيين ما كان منهم ، وإن طالت فيها المدة حتى يموتوا ، ثم رد الله عز وجل الحكم في أمثالهم إلى ما أنزله في آية المحاربة ، وكان في ذلك ما قد دل على أنه لا يتجاوز ما فيها إلى ما سواه ، ونهى صلى الله عليه وسلم عن المثلة ، وأمر بما في حديث شداد ، أنه لا يخرج عن عقوبات الله عز وجل إلى ما سواها بما هو أكثر منها ، فبان بحمد الله ونعمته : أن لا تضاد في شيء من هذه الآثار ، والله نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية