الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 178 ] 744 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعنه زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج .

4741 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن جحادة ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج .

[ ص: 179 ]

4742 - وحدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن محمد بن جحادة ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج .

فتأملنا هذا الحديث فوجدناه محتملا أن يكون ذلك كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إباحته زيارة القبور ، ووجدناه محتملا أن يكون أراد به جميع الأشياء المذكورة في هذا الحديث ، من اتخاذ المساجد على القبور والسرج مع ذلك ، ويكون الوصول إلى ذلك بالزيارة للقبور المتخذ ذلك عليها ، وتكون الزيارة للقبور ما لم يكن ذلك متخذا قبلها مباحة .

[ ص: 180 ] فنظرنا فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحته زيارة القبور بعد أن كانت منهيا عنها .

4743 - فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا ، قال : حدثنا النفيلي ، حدثنا زهير بن معاوية ، حدثنا زبيد اليامي ، عن محارب بن دثار ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فنزل بنا ونحن قريب من ألف رجل ، فصلى بنا ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر ، ففداه بالأب والأم ، يقول : ما لك يا رسول الله ، قال : إني استأذنت ربي في الاستغفار لأمي ، فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ولتزدكم زيارتها خيرا ، وإني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث ، فكلوا وأمسكوا ما شئتم ، وإني كنت نهيتكم عن الأشربة في الأوعية ، فاشربوا في أي وعاء شئتم ، ولا تشربوا مسكرا .

[ ص: 181 ]

4744 - ووجدنا يونس قد حدثنا ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني أسامة بن زيد أن محمد بن يحيى بن حبان أخبره ، أن الواسع بن حبان أخبره ، أن أبا سعيد الخدري حدثه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإن فيها عبرة ، ونهيتكم عن النبيذ ألا فانتبذوا ، ولا أحل مسكرا ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي ، فكلوا وادخروا .

[ ص: 182 ] [ ص: 183 ]

4745 - ووجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا ، قال : حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله .

[ ص: 184 ] فكان في هذا الحديث ، إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور بعد نهيه كان عن زيارتها قبل ذلك ، فقوي في قلوبنا أن يكون اللعن المذكور في حديث ابن عباس إنما وقع على متخذي المساجد والسرج عليها ، لا على زائريها خاصة ممن ليس في زيارته قصد لمسجد اتخذه عليها ، ولا لسراج يوقده عليها ، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في لعنه اليهود والنصارى لاتخاذهم كان مثل هذا المعنى على قبور أنبيائهم .

4746 - كما قد حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا : إنه لما نزل برسول الله طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم كشفها عن وجهه ، قال : وهو كذلك يقول : لعنة الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور [ ص: 185 ] أنبيائهم مساجد ، يحذر مثل ما صنعوا .

[ ص: 186 ] قال أبو جعفر : فوقفنا بهذا الحديث على قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحذير من اتخاذ القبور مساجد .

فوقفنا بذلك : على أن اللعن الذي في حديث ابن عباس إنما كان لمن هذه سبيله ، لا لمن سواه من زائري القبور ، لا لمثل ذلك ، ولكن لما سواه مما أباح صلى الله عليه وسلم زيارتها من أجله .

وقصدنا إلى حديث ابن عباس وعائشة هذا ، لأن فيه أن ذلك القول كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته ، وأنه لا ناسخ له ، وغنينا بذلك عن ذكرنا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعنه اليهود والنصارى لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد ، مما قد يجوز أن يكون كان منه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في هذا المعنى ، غير هذا الكلام ، والله عز وجل نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية