الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 98 ] باب نذر عبد المطلب

                                        أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق بن يسار، قال: وكان عبد المطلب بن هاشم، فيما يذكرون، قد نذر حين لقي من قريش عند حفر زمزم ما لقي لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه لينحرن أحدهم لله، عز وجل عند الكعبة.

                                        فلما توافى بنوه عشرة: الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وحمزة، وأبو طالب، وعبد الله، وعرف أنهم سيمنعونه , جمعهم، ثم أخبرهم بنذره الذي نذر، ودعاهم إلى الوفاء لله تعالى بذلك، فأطاعوا [ ص: 99 ] له، وقالوا: كيف نصنع؟ قال: يأخذ كل رجل منكم قدحا، فيكتب فيه اسمه، ثم تأتوني.

                                        ففعلوا ثم أتوه.

                                        فذكر الحديث بطوله في دخوله على هبل عظيم أصنامهم، قال: وكان عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم أصغر بني أبيه، وكان هو والزبير وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان فيما يزعمون أحب ولد عبد المطلب إليه.

                                        فلما أخذ صاحب القداح القدح ليضرب بها، قام عبد المطلب عند هبل، يدعو ألا يخرج القدح على عبد الله، فخرج القدح على عبد الله، فأخذ عبد المطلب بيده، وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة الوثنين اللذين تنحر قريش عندهما ذبائحهم ليذبحه، فقامت إليه قريش من أنديتها، فقالوا: ماذا تريد يا عبد المطلب؟ قال: أذبحه، قال ابن إسحاق : وذكروا أن العباس بن عبد المطلب اجتره من تحت رجل أبيه حتى خدش وجه عبد الله خدشا لم يزل في وجهه حتى مات.

                                        فقالت قريش وبنوه: والله لا تذبحه أبدا ونحن أحياء حتى نعذر فيه ولئن فعلت هذا لا يزال رجل منا يأتي ابنه حتى يذبحه، فما بقاء الناس على ذلك؟ وقال المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكان عبد الله بن عبد المطلب ابن أخت القوم: والله لا تذبحه أبدا حتى نعذر فيه، فإن كان فداء فديناه بأموالنا

                                        [ ص: 100 ] وذكر أشعارهم في ذلك , إلى أن قال: فقالت له قريش وبنوه: لا تفعل، وانطلق إلى الحجاز، فإن به عرافة يقال لها: سجاح، لها تابع، فسلها، ثم أنت على رأس أمرك.

                                        فقال: نعم.

                                        فانطلقوا حتى جاؤوها، وهي، فيما يزعمون، بخيبر، فسألوها، فقالت: ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي؛ فأسأله.

                                        فخرج عبد المطلب يدعو الله , قال: ثم غدوا إليها، فقالت: نعم , قد جاءني تابعي بالخبر، فكم الدية فيكم؟ فقالوا: عشر من الإبل وكانت كذلك , قالت: فارجعوا إلى بلادكم، فقدموا صاحبكم، وقدموا عشرا من الإبل، ثم اضربوا عليها بالقداح، فإن خرجت القداح على صاحبكم، فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، فإذا خرجت القداح على الإبل، فقد رضي ربكم، فانحروها، ونجا صاحبكم.

                                        فخرجوا حتى قدموا مكة وفعلوا.

                                        وذكر الحديث بطوله في سجع عبد المطلب ودعواته، وخروج السهم على عبد الله، وزيادة عشر عشر من الإبل كلما خرج السهم عليه، حتى بلغت الإبل مائة.

                                        وقام عبد المطلب يدعو الله تعالى، ثم ضربوا، فخرج السهم على الإبل، فقالت قريش، ومن حضره: قد انتهى رضا ربك، وخلص لك [ ص: 101 ] ابنك.

                                        فقال عبد المطلب: لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات: فضربوا، فخرج على الإبل في المرات الثلاث: فنحرت، ثم تركت لا يصد عنها أحد.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية