الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 58 ] أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن عتاب، قال: حدثنا أبو محمد القاسم بن عبد الله بن المغيرة الجوهري قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة قال:

                                        كان بين الفجار وبين بنيان الكعبة خمس عشرة سنة.

                                        وإنما سمي الفجار لأن قريشا كان بينهم وبين قيس عيلان عهد وميثاق بعكاظ قال غير موسى بن عقبة: فوقعت بينهم حرب استحلوا فيها الحرمات، وفجروا فيها قال موسى بن عقبة: وإنما حمل قريشا على بنيانها أن السيل كان يأتي من فوقها، من فوق الردم الذي صنعوه فأضر به، فخافوا أن يدخلها الماء، [ ص: 59 ] وكان رجل يقال له: مليح سرق طيب الكعبة، فأرادوا أن يشدوا بنيانها، وأن يرفعوا بابها حتى لا يدخلها إلا من شاؤوا فأعدوا لذلك نفقة وعمالا، ثم عمدوا إليها، ليهدموها على شفق وحذر أن يمنعهم الله الذي أرادوا، فكان أول رجل طلعها وهدم منها شيئا الوليد بن المغيرة، فلما رأوا الذي فعل الوليد تتابعوا فوضعوها، فأعجبهم ذلك فلما أرادوا أن يأخذوا في بنيانها أحضروا عمالهم فلم يقدر رجل منهم أن يمضي أمام موضع قدمه وزعموا أنهم رأوا حية قد أحاطت بالبيت، رأسها عند ذنبها، فأشفقوا منها شفقة شديدة، وخشوا أن يكونوا قد وقعوا مما عملوا في هلكة وكانت الكعبة حرزهم، ومنعتهم من الناس، وشرفا لهم، فأشار عليهم - زعموا - المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بالذي ذكر في هذا الكتاب، فلما فعلوا ذلك ذهبت الحية في السماء وتغيبت منهم، ورأوا أن ذلك من الله عز وجل ويقول بعض الناس: خطفها طائر فألقاها نحو أجياد.

                                        فلما سقط في أيديهم، والتبس عليهم أمرهم قام المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فقال: هل لكم في أمر تبتغون به مرضاة رب هذا البيت؟ فإذا اجتهدتم رأيكم وجهدتم جهدكم نظرتم فإن خلى الله عز وجل بينكم وبين بنيانها، فذلك الذي أردتم، وإن حال بينكم وبينه كان ذلك وقد اجتهدتم , ثم قالوا: أشر علينا.

                                        قال: إنكم قد جمعتم لنفقة هذا البيت ما قد علمتم، وإنكم قد أخذتم في هدمه، وبنيانه على تحاسد منكم، وإني أرى أن تقسموا أربعة أرباع على منازلكم في الآل والأرحام، ثم تقسموا البيت [ ص: 60 ] على أربعة أقسام، ولا تجعلوا أحد جوانب البيت كاملا، لكل ربع، ولكن اقسموه نصفين أيضا، فإن كل جانب من جوانب البيت، فإذا فعلتم ذلك فليعين كل ربع منكم نصيبه، ولا تجعلن في نفقة البيت شيئا أصبتموه غصبا، ولا قطعتم فيه رحما، ولا انتهكتم فيه ذمة بينكم وبين أحد من الناس، فإذا فعلتم ذلك فاقترعوا بفناء البيت، ولا تنازعوا ولا تنافسوا، وليصير كل ربع منكم موضع سهمه، ثم انطلقوا بعمالكم فلعلكم إذا فعلتم ذلك أن تخلصوا إليها فلما سمعوا قول المغيرة رضوا به، وانتهوا إليه وفعلوا الذي أمرهم به فيزعم علماء أولية قريش أن باب الكعبة إلى الحجر الأسود بالنصف من جانبها الذي يلي اليمن - صار في سهم بني عبد مناف فلما انتهى البنيان إلى موضع الحجر الأسود تنافسوا في رفعه، وتحاسدوا عليه، فحكموا فيه أول رجل يطلع عليهم فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما بلغنا - ذلك الرجل، فأعانوه على رفعه على إصلاح منهم وجماعة , فيزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه وسط ثوب، ثم قال: لهم خذوا بزواياه وجوانبه كلها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي يرفع الحجر، فوضعه بيده موضعه، وذلك قبل مبعثه بخمس عشرة سنة.

                                        قال: وزعم عبد الله بن عباس أن أولية قريش كانوا يحدثون أن رجالا من قريش لما اجتمعوا لينزعوا الحجارة، وانتهوا إلى تأسيس إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام - عمد رجل منهم إلى حجر من الأساس [ ص: 61 ] الأول، فرفعه وهو لا يدري أنه من الأساس الأول، فأبصر القوم برقة تحت الحجر كادت تلتمع بصر الرجل، ونزل الحجر من يده فوقع في موضعه، وفزع الرجل والبناة، فلما ستر عنهم الحجر ما تحته عادوا إلى بنيانهم، وقالوا: لا تحركوا هذا الحجر ولا شيئا بحذائه فلما انتهوا إلى أس البيت الأول وجدوا في حجر منها - فلا أدري لعله ذكر أنه في أسفل المقام - كتابا لم يدروا ما هو حتى جاءهم حبر من يهود اليمن فنظر إلى الكتاب فحدثهم: أنه قد قرأه، فاستحلفوه: لتحدثنا بما فيه، ولتصدقنا عنه، فأخبرهم أن فيه: أنا الله ذو بكة، حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض والشمس والقمر، ويوم وضعت هذين الجبلين، وحففتهما بسبعة أملاك حنفاء.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية