الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 384 ] باب ما وجد من صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مقرونة بصورة الأنبياء قبله بالشام

                                        أخبرنا الشيخ أبو الفتح، رحمه الله، من أصله، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي شريح الهروي، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب أبو سعيد الربعي، قال: حدثني محمد بن عمر بن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، قال: حدثتني أم عثمان بنت سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيها، سعيد بن محمد بن جبير، عن أبيه، قال: سمعت أبي: جبير بن مطعم، يقول: لما بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم، وظهر أمره بمكة، خرجت إلى الشام، فلما كنت ببصرى أتتني جماعة من النصارى، فقالوا لي: أمن الحرم أنت؟ قلت: نعم.

                                        قالوا: أفتعرف هذا الذي تنبأ فيكم؟ قلت: نعم.

                                        قال: فأخذوا بيدي، فأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور، فقالوا لي: انظر هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم؟ فنظرت فلم أر صورته.

                                        قلت: لا أرى [ ص: 385 ] صورته.

                                        فأدخلوني ديرا أكبر من ذلك الدير، وإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في الدير، فقالوا لي: انظر هل ترى من صورته؟ فنظرت، فإذا أنا بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصورته، وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته وهو آخذ بعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقالوا لي: هل ترى صفته؟ قلت: نعم.

                                        قالوا: أهو هذا؟ وأشاروا إلى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        قلت: اللهم نعم، أشهد أنه هو.

                                        قالوا: أتعرف هذا الذي أخذ بعقبه؟ قلت: نعم.

                                        قالوا: نشهد أن هذا صاحبكم وأن هذا الخليفة من بعده ورواه البخاري في التاريخ، عن محمد غير منسوب، عن محمد بن عمر هذا، بإسناده هذا، عن جبير بن مطعم، قال: خرجت تاجرا إلى الشام، فلقيت رجلا من أهل الكتاب، فقال: هل عندكم رجل يتنبأ؟ قلت: نعم فجاء رجل من أهل الكتاب، فقال: فيما أتيتم؟ فأخبره، فأدخلني منزلا له، فإذا فيه صور , فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هو هذا؟ قلت: نعم.

                                        قال: إنه لم يكن نبي إلا كان بعده نبي إلا هذا النبي.

                                        أخبرناه أبو بكر الفارسي، قال أخبرنا أبو إسحاق الأصبهاني، قال: حدثنا أبو أحمد بن فارس، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: حدثني محمد، قال: حدثني محمد بن عمر، فذكره.

                                        وفي كتابي عن شيخنا أبي عبد الله الحافظ، وهو فيما أنبأني به إجازة: أن أبا محمد، عبد الله بن إسحاق البغوي أخبرهم، قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم [ ص: 386 ] البلدي، قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، عن هشام بن العاص الأموي، قال: بعثت أنا ورجل آخر من قريش إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني دمشق فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني، فدخلنا عليه وإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا له: والله لا نكلم رسولا، إنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول، فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك.

                                        قال: فأذن لنا، فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص، ودعاه إلى الإسلام، وإذا عليه ثياب سواد، فقال له هشام: ما هذه التي عليك؟ فقال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام.

                                        قلنا: ومجلسك هذا؟ فوالله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم، إن شاء الله تعالى، أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، قال: لستم بهم، بل هم قوم يصومون بالنهار، ويفطرون بالليل.

                                        فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملأ وجهه سوادا، فقال: قوموا.

                                        وبعث معنا رسولا إلى الملك، فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة، قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال، قلنا: والله لا ندخل إلا عليها.

                                        فأرسلوا إلى الملك: إنهم يأبون.

                                        فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له، فأنخنا في أصلها، وهو ينظر [ ص: 387 ] إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله , والله أكبر، والله يعلم لقد تنفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح.

                                        فأرسل إلينا: ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم.

                                        وأرسل إلينا أن ادخلوا.

                                        فدخلنا عليه وهو على فراش له، وعنده بطارقته من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة.

                                        فدنوا منه فضحك، وقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم، فإذا عنده رجل فصيح بالعربية، كثير الكلام.

                                        فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها.

                                        قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ فقلنا: السلام عليك.

                                        قال: فكيف تحيون ملككم؟ قلنا: بها.

                                        قال: وكيف يرد عليكم؟ قلنا: بها.

                                        قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله , والله أكبر.

                                        فلما تكلمنا بها، قال: والله لقد تنقضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها.

                                        قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تنفضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم تنفض بيوتكم عليكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك.

                                        قال: لوددت أنكم كلما قلتم تنفض كل شيء عليكم، وأني خرجت من نصف ملكي، قلنا: لم؟ قال: لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا يكون من أمر النبوة وأن يكون من حيل الناس.

                                        ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه.

                                        ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه.

                                        فقال: قوموا.

                                        فقمنا، فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير، فأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا، فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب، ففتح بيتا وقفلا، واستخرج حريرة سوداء، فنشرها، فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين، عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا له ضفيرتان، أحسن ما خلق الله.

                                        قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا آدم، عليه السلام، وإذا هو أكثر الناس شعرا.

                                        ثم فتح لنا بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة [ ص: 388 ] بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا نوح، عليه السلام.

                                        ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها رجل شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية، كأنه يتبسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا , قال: هذا إبراهيم، عليه السلام.

                                        ثم فتح بابا آخر، فإذا فيها صورة بيضاء، وإذا والله رسول الله قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        قال: وبكينا.

                                        قال: والله يعلم أنه قام قائما ثم جلس وقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم.

                                        إنه لهو , كأنما ننظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم.

                                        ثم فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سحماء، وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا موسى، عليه السلام، وإلى جنبه صورة تشبهه، إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينه قبل، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا هارون بن عمران.

                                        ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل آدم، سبط، ربعة كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا: قال: هذا لوط عليه السلام ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة رجل أبيض، مشرب حمرة، أقنى، خفيف العارضين، حسن الوجه، فقال: هل [ ص: 389 ] تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا إسحاق، عليه السلام.

                                        ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة بيضاء، فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا إنه على شفته السفلى خال، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا يعقوب، عليه السلام.

                                        ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة رجل أبيض، حسن الوجه، أقنى الأنف، حسن القامة، يعلو وجهه نور، يعرف في وجهه الخشوع، يضرب إلى الحمرة، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا إسماعيل جد نبيكم.

                                        ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة كأنها صورة آدم، كأن وجهه الشمس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا يوسف عليه السلام ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل أحمر، حمش الساقين، أخفش العينين، ضخم البطن، ربعة، متقلد سيفا، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا داود عليه السلام ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة بيضاء، فيها صورة رجل ضخم الأليتين، طويل الرجلين، راكب فرس، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا سليمان بن داود عليه السلام ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فيها صورة بيضاء وإذا رجل شاب، شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن العينين، حسن الوجه، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا.

                                        قال: هذا عيسى ابن مريم، عليه السلام.

                                        قلنا: من أين لكم هذه الصور، لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء [ ص: 390 ] عليهم السلام، لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله؟ فقال: إن آدم، عليه السلام، سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل عليه صورهم، وكان في خزانة آدم، عليه السلام عند مغرب الشمس، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعها إلى دانيال.

                                        ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي، وإن كنت عبدا لا يترك ملكه حتى أموت.

                                        ثم أجازنا فأحسن جائزتنا، وسرحنا.

                                        فلما أتينا أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، حدثناه بما رأينا، وما قال لنا، وما أجازنا.

                                        قال: فبكى أبو بكر، وقال: مسكين، لو أراد الله عز وجل به خيرا لفعل.

                                        ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد عليه السلام، عندهم.

                                        وفي كتابي عن شيخنا أبي عبد الله الحافظ، وهو فيما أنبأني به، إجازة، أن أبا بكر أحمد بن كامل القاضي أخبرهم، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن مطرف بن مالك، أنه قال: شهدت فتح تستر مع الأشعري، فأصبنا قبر دانيال بالسوس، وكانوا إذا استسقوا خرجوا فاستسقوا به، فذكر الحديث فيما وجدوا فيه، وكان فيما وجدوا فيه ربعة فيها كتاب، فذكر الحديث في أجير نصراني يسمى نعيما، وهب له الكتاب، ثم في إسلامه، ثم في قراءة ذلك الكتاب.

                                        وإذا فيه ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين فأسلم منهم يومئذ اثنان وأربعون حبرا.

                                        وذلك في خلافة معاوية، فأتحفهم وأعطاهم.

                                        [ ص: 391 ] قال همام : فزعم فرقد، قال: فحدثني أبو تميمة أن عمر كتب إلى الأشعري "أن يغسلوا دانيال بالسدر وماء الريحان، وأن يصلى عليه , فإنه نبي دعا ربه أن لا يوليه إلا المسلمون".

                                        قال همام: فأخبرني بسطام بن مسلم أن معاوية بن قرة، قال: " تذاكرنا الكتاب إلى ما صار فمر علينا شهر بن حوشب، فدعوناه، فقال: على الخبير سقطتم: إن الكتاب كان عند كعب، فلما احتضر قال: ألا رجل أأتمنه على أمانة يؤديها؟ قال شهر: قال ابن عم لي يكنى أبا لبيد، فدفع إليه الكتاب، فقال: اذهب , فإذا بلغت موضع كذا وكذا فاقذفه فيه , يريد البحر , فذكر الحديث في خلاف الرجل وعلم كعب أنه لم يفعل، ثم إنه فعل، فانفرج الماء فقذفه فيه.

                                        ورجع إلى كعب فعرف أنه قد صدق، فقال: إنها التوراة كما أنزلها الله عز وجل ".

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية