الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 442 ] باب ذكر العقبة الثانية وما جاء في بيعة من حضر الموسم من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام وعلى أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأموالهم

                                        أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ الإسفرائني بها قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي، قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد، قال: حدثنا داود العطار، قال: حدثنا ابن خثيم، عن أبي الزبير محمد بن مسلم، أنه حدثه جابر بن عبد الله الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الحاج في منازلهم في المواسم: مجنة، وعكاظ، ومنازلهم بمنى: "من يؤويني وينصرني حتى أبلغ رسالات ربي وله الجنة؟" فلا يجد أحدا يؤويه ولا ينصره حتى أن الرجل يرحل صاحبه من مصر أو اليمن فيأتيه قومه أو ذوو رحمه فيقولون: احذر فتى قريش لا يفتنك يمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل، يشيرون إليه بأصابعهم حتى بعثنا الله عز وجل له من يثرب، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من يثرب إلا وفيها رهط من المسلمين، يظهرون الإسلام [ ص: 443 ] .

                                        ثم بعثنا الله عز وجل وائتمرنا واجتمعنا سبعين رجلا منا فقلنا: حتى متى نذر رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة ويخاف، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا شعب العقبة فاجتمعنا فيه من رجل ورجلين حتى توافينا عنده فقلنا: يا رسول الله على ما نبايعك فقال: "بايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم فيه لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة" .

                                        فقمنا نبايعه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر السبعين رجلا إلا أنا، فقال: رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على عض السيوف إذا مستكم، وعلى قتل خياركم، وعلى مفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله عز وجل، فقلنا: أمط يدك يا أسعد بن زرارة، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقبلها، فقمنا إليه نبايعه رجلا رجلا، يأخذ علينا شرطه، ويعطينا على ذلك الجنة،
                                        وحدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء قال: حدثني محمد بن إسماعيل المقرئ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، قال: حدثنا يحيى بن سليمان، عن ابن خثيم، عن [ ص: 444 ] أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري فذكر الحديث بمعناه إلا أنه زاد في وسط الحديث قال: فقال له عمه العباس يا ابن أخي، لا أدري ما هؤلاء القوم الذين جاؤوك إني ذو معرفة بأهل يثرب فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم هؤلاء أحداث، فقلنا يا رسول الله علام نبايعك فذكره.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية