الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 422 ] حديث أبان بن عبد الله البجلي في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على قبائل العرب وقصة مفروق بن عمرو وأصحابه.

                                        حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال: أنبأنا أبو بكر محمد بن إسماعيل الفقيه الشاشي، قال: حدثنا الحسن بن صاحب بن حميد الشاشي قال: حدثني عبد الجبار بن كثير الرقي، قال: حدثنا محمد بن بشر اليماني، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: حدثني علي بن أبي طالب، من فيه قال: لما أمر الله تبارك وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر رضي الله عنه، فدفعنا إلى مجلس من مجالس العرب، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه وكان مقدما في كل خير، وكان رجلا نسابة [ ص: 423 ] فسلم، وقال: ممن القوم؟ قالوا: من ربيعة.

                                        قال: وأي ربيعة أنتم؟ أمن هامها أي من لهازمها؟ فقالوا: من الهامة العظمى، فقال أبو بكر رضي الله عنه: وأي هامتها العظمى أنتم؟ قالوا: من ذهل الأكبر قال: منكم عوف الذي يقال له: لا حر بوادي عوف؟ قالوا: لا.

                                        قال: فمنكم جساس بن مرة حامي الذمار، ومانع الجار؟ قالوا: لا.

                                        قال: فمنكم بسطام بن قيس أبو اللواء، ومنتهى الأحياء؟ قالوا: لا.

                                        قال: فمنكم الحوفزان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟ قالوا: لا.

                                        قال: فمنكم المزدلف صاحب العمامة الفردة؟ قالوا: لا.

                                        قال: فمنكم أخوال الملوك من كندة؟ قالوا: لا.

                                        قال: فمنكم أصحاب الملوك من لخم؟ قالوا: لا.

                                        قال أبو بكر: فلستم من ذهل الأكبر، أنتم من ذهل الأصغر قال: فقام إليه غلام من بني شيبان يقال له دغفل حين تبين وجهه، فقال: إن على سائلنا أن نسله والعبو لا نعرفه أو نجهله.

                                        يا هذا، قد سألتنا فأخبرناك، ولم نكتمك شيئا، فممن الرجل؟ قال أبو بكر: أنا من قريش، فقال الفتى: بخ بخ، أهل الشرف والرياسة، فمن أي القرشيين أنت؟ قال: من ولد تيم بن مرة، فقال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثغرة.

                                        أمنكم قصي الذي جمع القبائل من فهر، فكان يدعى في قريش مجمعا؟ قال: لا، قال: فمنكم - أظنه قال - هشام الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف؟ قال: لا، قال: فمنكم شيبة الحمد عبد المطلب مطعم طير [ ص: 424 ] السماء الذي كان وجهه القمر يضيء في الليلة الداجية الظلماء؟ قال: لا، قال: فمن أهل الإفاضة بالناس أنت؟ قال: لا.

                                        قال: فمن أهل الحجابة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل السقاية أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل النداوة أنت؟ قال: لا، قال: فمن أهل الرفادة أنت؟ قال: فاجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام الناقة راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الغلام:


                                        صادف در السيل درا يدفعه يهضبه حينا وحينا يصدعه

                                        أما والله لو ثبت لأخبرتك من قريش قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        قال علي: فقلت: يا أبا بكر لقد وقعت من الأعرابي على باقعة قال: أجل أبا حسن ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكل بالمنطق قال: ثم دفعنا إلى مجلس آخر عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلم، فقال: ممن القوم؟ قالوا: من شيبان بن ثعلبة، فالتفت أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي هؤلاء غرر الناس، وفيهم مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، وكان مفروق قد غلبهم جمالا ولسانا، وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلسا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على ألف، ولن تغلب ألف من قلة.

                                        فقال أبو بكر: وكيف المنعمة فيكم؟ فقال المفروق: علينا الجهد ولكل قوم جهد.

                                        فقال أبو بكر رضي الله عنه: كيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبا حين نلقى، وإنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللقاح، والنصر من عند الله، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى، لعلك أخا قريش.

                                        فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد بلغكم أنه رسول الله ألا هو ذا [ ص: 425 ] ، فقال مفروق: بلغنا أنه يذكر ذاك، فإلى ما تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وقام أبو بكر رضي الله عنه يظله بثوبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وإلى أن تؤووني وتنصروني، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله، وكذبت رسله، واستغنت بالباطل عن الحق، والله هو الغني الحميد" ، فقال مفروق بن عمرو: وإلام تدعونا يا أخا قريش، فوالله ما سمعت كلاما أحسن من هذا، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم إلى فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون فقال مفروق: وإلام تدعونا يا أخا قريش زاد فيه غيره فوالله ما هذا من كلام أهل الأرض , ثم رجعنا إلى روايتنا قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فقال مفروق بن عمرو: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك.

                                        وكأنه أحب أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة، فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا، فقال هانئ: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش إني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر أنه زلل في الرأي، وقلة نظر في العاقبة، وإنما تكون الزلة مع العجلة، ومن ورائنا قوم نكره أن يعقد عليهم عقد، ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر [ ص: 426 ] .

                                        وكأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة، فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا، فقال المثنى بن حارثة: سمعت مقالتك يا أخا قريش، والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتك على دينك، وإنا إنما نزلنا بين صريين اليمامة، والسمامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما هذان الصريان؟" فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما يكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه؟ " فقال النعمان بن شريك: اللهم فلك ذلك قال: فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " , ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم قابضا على يدي أبي بكر وهو يقول: يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله عز وجل بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم.

                                        قال: فدفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج، فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله [ ص: 427 ] صلى الله عليه وسلم قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سر بما كان من أبي بكر ومعرفته بأنسابهم قال لنا
                                        أبو عبد الرحمن: قال الشيخ أبو بكر: قال الحسن بن صاحب: كتب هذا الحديث عني أبو حاتم الرازي.

                                        قلت: وقد رواه أيضا محمد بن زكريا الغلابي، وهو متروك عن شعيب بن واقد، عن أبان بن عبد الله البجلي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أحمد العماني، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا شعيب بن واقد، حدثنا أبان بن عبد الله البجلي فذكره بإسناده ومعناه، وروي أيضا بإسناد آخر مجهول عن أبان بن تغلب.

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أبو محمد جعفر بن عنبسة الكوفي قال: حدثني محمد بن الحسين القرشي، قال: حدثنا أحمد بن أبي نصر السكوني، عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن علي بن أبي طالب، فذكره، وقال: خرج إلى منى وأنا معه.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية