الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        وأخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال: أنبأنا أبو يعقوب إسماعيل بن أبي كثير قاضي المدائن، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد أبو رجاء، حدثنا نوح بن قيس الحداني، قال: حدثنا أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله حدثنا، ما رأيت ليلة أسري بك؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتيت بدابة أشبه الدواب بالبغلة، غير أنه صغار الأذنين، يقال له: البراق، وهو الذي كانت تحمل عليه الأنبياء يضع حافره حيث يبلغ طرفه، فحملت عليه من المسجد الحرام فتوجه إلى المسجد الأقصى قال: وذكر حديث المعراج بطوله قال: وحدثنا قتيبة، قال: حدثنا هشيم عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري مثله أو نحوه.

                                        ورواه معمر عن أبي هارون ببعض معناه.

                                        أنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال: أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن [ ص: 397 ] عدي الحافظ، قال: حدثنا محمد بن الحسن السكري البالسي، بالرملة، قال: حدثنا علي بن سهل، قال: حدثنا حجاج بن محمد، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي وهو عيسى بن ماهان، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة، أو غيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                        (ح) وفيما ذكر شيخنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله أن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني أخبرهم، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل قال: حدثني عيسى بن ماهان، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " قال: " أتي بفرس فحمل عليه [ ص: 398 ] قال: كل خطوة منتهى أقصى بصره، فسار وسار معه جبريل عليه السلام، فأتى قوما يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء المهاجرون في سبيل الله، يضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ، ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: يا جبريل، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة قال: ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام، عن الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها قال: ما هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد، ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضج طيب ولحم آخر خبيث، فجعلوا يأكلون من الخبيث ويدعون النضج الطيب، فقال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هذا الذي يقوم وعنده امرأة حلال طيب فيأتي المرأة الخبيثة، فتبيت معه حتى يصبح، ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها شيء إلا قصعته، يقول الله عز وجل ولا تقعدوا بكل صراط توعدون .

                                        ثم مر على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يريد أن يزيد عليها قال: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة لا يستطيع أداءها، وهو يزيد عليها.

                                        ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء قال: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: [ ص: 399 ] هؤلاء خطب الفتنة.

                                        ثم أتى على حجر صغير يخرج منه نور عظيم فجعل النور يريد أن يدخل من حيث خرج ولا يستطيع قال: ما هذا يا جبريل قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم عليها فيريد أن يردها ولا يستطيع , ثم أتى على واد فوجد ريحا باردة طيبة ووجد ريح المسك وسمع صوتا، فقال: يا جبريل ما هذه الريح الباردة الطيبة، وريح المسك؟ وما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت الجنة تقول: يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني فقد كثر عرفي، وحريري، وسندسي، وإستبرقي، وعبقري، ولؤلؤي، ومرجاني، وفضتي، وذهبي، وأباريقي، وفواكهي، وعسلي، وخمري، ولبني، فائتني بما وعدتني، فقال: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا ولم يشرك بي شيئا، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشيني آمنته، ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكل علي كفيته، وأنا الله لا إله إلا أنا لا أخلف الميعاد قد أفلح المؤمنون - إلى - فتبارك الله أحسن الخالقين قالت: قد رضيت.

                                        ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا قال: يا جبريل ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم يقول: ائتني بأهلي وما وعدتني فقد كثر سلاسلي، وأغلالي، وسعيري، وزقومي، وحميمي، وحجارتي، وغساقي، وغسليني، وقد بعد قعري، واشتد حري، فأتني بما وعدتني، فقال: لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت.

                                        قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم [ ص: 400 ] دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت قالوا: يا جبريل من هذا معك؟ قال: محمد رسول الله وخاتم النبيين، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم , قالوا: حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ، ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء.

                                        قال: ثم أتى أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم قال: فقال إبراهيم عليه السلام: الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلا، وأعطاني ملكا عظيما، وجعلني أمة قانتا لله يؤتم بي، وأنقذني من النار، وجعلها علي بردا وسلاما.

                                        قال: ثم إن موسى أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي كلمني تكليما، واصطفاني برسالته وكلماته، وقربني إليه نجيا، وأنزل علي التوراة وجعل هلاك آل فرعون على يدي، ونجى بني إسرائيل على يدي.

                                        قال: ثم إن داود أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي خولني ملكا، وأنزل علي الزبور، وألان لي الحديد، وسخر لي الطير والجبال، وآتاني الحكمة وفصل الخطاب، ثم إن سليمان أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي سخر لي الرياح والجن والإنس، وسخر لي الشياطين يعملون ما شئت من محاريب وتماثيل إلى آخر الآية، وعلمني منطق الطير وكل شيء، وأسال لي عين القطر، وأعطاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي , ثم إن عيسى عليه السلام أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي علمني التوراة، والإنجيل، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص، وأحيي الموتى بإذنه، ورفعني، وطهرني من الذين كفروا، وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليها سبيل.

                                        ثم إن محمدا أثنى على ربه فقال: كلكم قد أثنى على ربه، وإني مثن على ربي، فقال: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل علي الفرقان فيه تبيان كل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت [ ص: 401 ] للناس، وجعل أمتي أمة وسطا، وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون وشرح صدري، ووضع عني وزري، ورفع لي ذكري وجعلني فاتحا وخاتما.

                                        فقال إبراهيم: بهذا فضلكم محمد قال: ثم أتي بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتي بإناء منها فيه ماء , فقيل له: اشرب فشرب منه يسيرا، ثم رفع إليه إناء آخر فيه لبن فشرب منه حتى روي، ثم رفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقال: قد رويت لا أريده، فقيل له: قد أصبت؛ أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليلا قال: ثم صعد به إلى السماء.

                                        فذكر الحديث بنحو مما رويناه في الأحاديث السابقة إلى أن قال: ثم صعد إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: محمد، قالوا: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم , قالوا: حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ، ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا برجل أشمط جالس على كرسي عند باب الجنة وعنده قوم بيض الوجوه وقوم سود الوجوه، وفي ألوانهم شيء، فأتوا نهرا فاغتسلوا فيه، فخرجوا منه وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم إنهم أتوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا النهر الثالث فخرجوا وقد خلصت من ألوانهم مثل ألوان أصحابهم، فجلسوا إلى أصحابهم فقال: يا جبريل من هؤلاء بيض الوجه وهؤلاء الذين في ألوانهم شيء فدخلوا النهر فخرجوا وقد خلصت ألوانهم؟ فقال: هذا أبوك إبراهيم هو أول رجل شمط على وجه الأرض، وهؤلاء بيض الوجوه قوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم قال: وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء خلطوا [ ص: 402 ] عملا صالحا، وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم.

                                        فأما النهر الأول فرحمة الله، وأما النهر الثاني فنعمة الله، وأما النهر الثالث فسقاهم ربهم شرابا طهورا , ثم انتهى إلى السدرة المنتهى فقيل لي: هذه السدرة إليها منتهى كل أحد من أمتك، ويخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى.

                                        قال: وهي شجرة يسير الراكب في أصلها عاما لا يقطعها، وإن الورقة منها مغطية الخلق قال: فغشيها نور الخالق، وغشيها الملائكة.

                                        فكلمه ربه عند ذلك قال له: سل قال: إنك اتخذت إبراهيم خليلا، وأعطيته ملكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألنت له الحديد وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكا عظيما وسخرت له الجبال والجن والإنس وسخرت له الشياطين والرياح وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذنك وأعذته وأمه من الشياطين، فلم يكن له عليهما سبيل، فقال له ربه: قد اتخذتك خليلا قال: وهو مكتوب في التوراة خليل الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، يعني بذلك الأذان، وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك أمة وسطا، وجعلت أمتك هم الأولون وهم الآخرون، وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم، وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، [ ص: 403 ] وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم مبعثا، وآتيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيا قبلك وجعلتك فاتحا وخاتما.

                                        قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فضلني ربي، أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وألقى في قلب عدوي الرعب من مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت الأرض كلها لي مسجدا وطهورا، وأعطيت فواتيح الكلام وخواتمه وجوامعه، وعرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع والمتبوع.

                                        ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأنما خرمت أعينهم بالمخيط فلم يخف علي ما هم لاقون من بعدي، وأمرت بخمسين صلاة فرجعت إلى موسى فذكر الحديث بمعنى ما روينا في الأسانيد الثابتة غير أنه قال في آخره: قال: فقيل له: اصبر على خمس فإنهن يجزين عنك بخمس، كل خمس بعشر أمثالها قال: فكان موسى أشد عليهم حين مر به وخيرهم حين رجع إليه ".


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية