الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 285 ] حديث هند بن أبي هالة في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، لفظا وقراءة عليه وقال: حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العقيقي صاحب [ ص: 286 ] كتاب النسب " ببغداد، قال: حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو محمد، بالمدينة، سنة ثلاث وستين ومائتين، قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسى بن جعفر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن الحسين، قال: قال الحسن بن علي : سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان وصافا , وأنا أرجو أن يصف لي شيئا أتعلق به.

                                        (ح) وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ببغداد، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان الفسوي، قال: حدثنا سعيد بن حماد الأنصاري المصري، وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي، قالا: حدثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي، قال: حدثني رجل بمكة، عن ابن لأبي هالة التميمي، عن الحسن بن علي، قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي، وكان وصافا، عن حلية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به، فقال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيقته فرق , وفي رواية العلوي : إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه إذا هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج [ ص: 287 ] الحواجب، سوابغ في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور يعلوه، يحسبه من لم يتأمله أشم.

                                        كث اللحية، سهل الخدين " وفي رواية العلوي: "المسربة، كأن عنقه جيد دمية، في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادنا متماسكا، سوي البطن والصدر، عريض الصدر"
                                        وفي رواية العلوي: "فسيح الصدر , بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط.

                                        عاري الثديين والبطن، مما سوى ذلك.

                                        أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة"
                                        وفي رواية العلوي: "رحب الجبهة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين" لم يذكر العلوي القدمين "سائل الأطراف، خمصان الأخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفيا ويمشي هونا، ذريع المشية إذا مشى , كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت جمعا" وفي رواية العلوي: "جميعا" خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء.

                                        جل نظره الملاحظة , يسوق أصحابه يبدر " وفي راوية العلوي: "يبدأ من لقي بالسلام" .

                                        قلت: صف لي منطقه، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، متواصل الأحزان، دائم الفكرة" وفي رواية العلوي: "الفكر" ليست له راحة، لا يتكلم في غير حاجة، طويل السكتة " وفي رواية العلوي: "السكوت" يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم " وفي رواية العلوي: "الكلام" فصل: لا فضول ولا تقصير.

                                        دمث [ ص: 288 ] : ليس بالجافي ولا المهين.

                                        يعظم النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئا.

                                        لا يذم ذواقا ولا يمدحه " وفي رواية العلوي: "لم يكن ذواقا ولا مدحة" ، "لا يقوم لغضبه إذا تعرض الحق شيء حتى ينتصر له" وفي الرواية الأخرى: "لا تغضبه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له , لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.

                                        إذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها، يضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى" وفي رواية العلوي "فيضرب بإبهامه اليمنى باطن راحته اليسرى" وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام ".

                                        قال: فكتمتها الحسين بن علي " زمانا، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه.

                                        فسأله عما سألته عنه ووجدته قد سأل أباه عن مدخله، ومجلسه ومخرجه، وشكله، فلم يدع منه شيئا.

                                        قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " كان دخوله لنفسه , مأذون له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا لله تعالى، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه.

                                        ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخره " فقال أبو غسان: "أو يذخر عنهم شيئا"
                                        .

                                        وفي رواية العلوي: "ولا يدخر عنهم شيئا" .

                                        [ ص: 289 ] " وكان من سيرته في جزء الأمة: إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين: فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم.

                                        ويقول: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب" وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة ".

                                        لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره.

                                        يدخلون عليه روادا.

                                        ولا يفترقون إلا عن ذواق" وفي رواية العلوي: "ولا يتفرقون إلا عن ذوق" ويخرجون أدلة " زاد العلوي: "يعني فقهاء" .

                                        قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ وفي رواية العلوي: قلت: فأخبرني عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ولا ينفرهم" قال أبو غسان: "أو يفرقهم" .

                                        وفي رواية العلوي: "ولا يفرقهم" ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويقويه، ويقبح القبيح ويوهيه.

                                        معتدل الأمر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا.

                                        لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا [ ص: 290 ] يحوزه.

                                        الذين يلونه من الناس خيارهم.

                                        أفضلهم عنده أعمهم نصيحة.

                                        وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة
                                        ".

                                        قال: فسألته عن مجلسه , زاد العلوي: كيف كان يصنع فيه؟ فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن، وينهى عن إيطانها.

                                        وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك.

                                        يعطي كل جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قادمه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف.

                                        ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول.

                                        قد وسع الناس منه بسطه وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء.

                                        مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبه فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى"
                                        وفي رواية العلوي: "وصاروا عنده في الحق متقاربين يتفاضلون بالتقوى" سقط منها ما بينهما.

                                        ثم اتفقت الروايتان "متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون" قال أبو غسان: أو يحيطون "الغريب" .

                                        وفي رواية العلوي: "ويرحمون الغريب" .

                                        قال: قلت: كيف كان سيرته في جلسائه؟ وفي رواية العلوي: فسألته عن سيرته في جلسائه؟ [ ص: 291 ] فقال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش ولا عياب، ولا مزاح.

                                        يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه، ولا يحبب فيه.

                                        قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والإكثار وما لا يعنيه.

                                        وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجي ثوابه.

                                        إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده "
                                        زاد العلوي: الحديث.

                                        من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده حديث ألويتهم - وفي رواية العلوي: "أولهم - يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه , ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم" وفي رواية العلوي "في المنطق" ويقول: "إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه" ، ولا يقبل الثناء إلا من مكاف، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام وفي رواية العلوي: بانتهاء أو قيام ".

                                        قال: فسألته كيف كان سكوته؟ قال: " كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أربع: الحلم، والحذر، والتقدير، والتفكر " وفي رواية العلوي: "والتفكير" ، "فأما تقديره ففي تسويته النظر والاستماع بين الناس، وأما تذكره" أو قال: "تفكره" قال سعيد: "تفكره" ، ولم يشك.

                                        وفي رواية العلوي "تفكيره" ففيما يبقى ويفنى [ ص: 292 ] وجمع له صلى الله عليه وسلم: الحلم، والصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه.

                                        وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسنى " قال سعيد والعلوي: "بالحسن" ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه "وفي رواية العلوي" ليتناهى عنه "واجتهاد الرأي فيما أصلح أمته، والقيام فيما جمع لهم الدنيا والآخرة" وفي رواية العلوي: "والقيام لهم فيما جمع لهم أمر الدنيا والآخرة صلى الله عليه وسلم" وقال أبو عبد الله الحافظ : قال أبو محمد الحسن بن محمد: قال أخبرنا إسماعيل بن محمد، حين فرغنا من سماع هذا الحديث منه: حدثناه علي بن جعفر بن محمد، سنة تسع ومائتين.

                                        قيل له: من حفظه؟ قال: نعم.

                                        قيل له: متى مات علي بن جعفر؟ قال: سنة عشر ومائتين بعدما حدثناه بسنة قلت: وبلغني عن القتيبي وغيره، في تفسير ما عسى يشكل من ألفاظ هذا الحديث: قوله: "كان فخما مفخما" أي عظيما معظما وقوله: "أقصر من المشذب" المشذب: الطويل البائن.

                                        وقوله: "إن انفرقت عقيقته فرق" .

                                        أصل العقيقة: شعر الصبي قبل أن يحلق، فإذا حلق ونبت ثانية فقد زال عنه اسم العقيقة.

                                        وربما سمي الشعر [ ص: 293 ] عقيقة بعد الحلق على الاستعارة، وبذلك جاء هذا الحديث.

                                        يريد: أنه كان لا يفرق شعره إلا أن يفترق هو، وكان هذا في صدر الإسلام، ثم فرق.

                                        قلت: وقال غير القتيبي، في رواية من روى "عقيصته" قال: العقيصة: الشعر المعقوص.

                                        وهو نحو من المضفور.

                                        قال القتيبي: وقوله: "أزهر اللون" يريد: أبيض اللون مشرقه، ومنه سميت الزهرة لشدة ضوئها.

                                        فأما الأبيض غير المشرق فهو الأمهق.

                                        وقوله: "أزج الحواجب" الزجج: طول الحاجبين ودقتهما وسبوغهما إلى مؤخر العينين.

                                        ثم وصف الحواجب، فقال: "سوابغ في غير قرن" .

                                        والقرن: أن يطول الحاجبان حتى يلتقي طرفاهما.

                                        وهذا خلاف ما وصفته به أم معبد، لأنها قالت في وصفه: "أزج أقرن" ولا أراه إلا كما ذكر ابن أبي هالة.

                                        وقال الأصمعي: كانت العرب تكره القرن، وتستحب البلج.

                                        والبلج: أن ينقطع الحاجبان فيكون ما بينهما نقيا.

                                        وقوله: "أقنى العرنين" والعرنين: المعطس وهو المرسن.

                                        والقنى فيه: طوله ودقة أرنبته وحدب في وسطه.

                                        وقوله: "يحسبه من لم يتأمله أشم" فالشمم: ارتفاع القصبة وحسنها، واستواء أعلاها، وإشراف الأرنبة قليلا.

                                        يقول: هو لحسن قناء أنفه واعتدال ذلك يحسب قبل التأمل أشم [ ص: 294 ] .

                                        وقوله: "ضليع الفم" أي عظيمه.

                                        وكانت العرب تحمد ذلك وتذم صغير الفم.

                                        وقال بعضهم: الضليع: المهزول الذابل.

                                        وهو في صفة فم النبي صلى الله عليه وسلم، ذبول شفتيه ورقتهما وحسنهما.

                                        وقوله: في وصف منطقه: "إنه كان يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه" وذلك لرحب شدقيه.

                                        وعن الأصمعي، قلت لأعرابي: ما الجمال؟ فقال: غؤور العينين، وإشراف الحاجبين، ورحب الشدقين.

                                        فأما ما جاء عنه عليه السلام في المتشادقين، فإنه أراد به الذين يتشادقون إذا تكلموا فيميلون بأشداقهم يمينا وشمالا ويتنطعون في القول.

                                        وقوله: أشنب من الشنب في الأسنان، وهو: تحدد أطرافها.

                                        وقوله: "دقيق المسربة" فالمسربة: الشعر المستدق ما بين اللبة إلى السرة.

                                        وقوله: "كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة" .

                                        الجيد: العنق.

                                        والدمية: الصورة شبهها في بياضها بالفضة.

                                        وقوله: "بادن متماسك" .

                                        البادن: الضخم.

                                        يريد أنه مع بدانته متماسك اللحم.

                                        وقوله: "سواء البطن والصدر" يريد أن بطنه غير مستفيض، فهو مساو لصدره، وصدره عريض فهو مساو لبطنه.

                                        ضخم الكراديس: يريد الأعضاء.

                                        وقوله: "أنور المتجرد" والمتجرد: ما جرد عنه الثوب من بدنه، وهو المجرد أيضا.

                                        وأنور من النور: يريد شدة بياضه.

                                        وقوله: "طويل الزندين" الزند من الذراع: ما انحسر عنه اللحم وللزند رأسان: الكوع، والكرسوع.

                                        فالكرسوع: رأس الزند الذي يلي الخنصر [ ص: 295 ] ، والكوع: رأس الزند الذي يلي الإبهام.

                                        وقوله: "رحب الراحة" يريد واسع الراحة.

                                        وكانت العرب تحمد ذلك وتمدح به.

                                        وقوله: "شثن الكفين والقدمين" يريد أنها إلى الغلظ والقصر وقوله: "سائل الأطراف" يريد الأصابع أنها طوال ليست بمنعقدة ولا متغضنة وقوله: "خمصان الأخمصين" .

                                        الأخمص في القدم من تحتها وهو ما ارتفع عن الأرض في وسطها.

                                        أراد أن ذلك منه مرتفع، وأنه ليس بأزج، وهو الذي يستوي باطن قدمه حتى يمس جميعه الأرض.

                                        قلت: وهذا بخلاف ما روينا عن أبي هريرة في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يطأ بقدميه جميعا ليس له أخمص.

                                        وقوله: "مسيح القدمين" : يعني أنه ممسوح ظاهر القدمين، فالماء إذا صب عليها مر عليها مرا سريعا، لاستوائهما وانملاسهما.

                                        وقوله: "يخطو تكفيا ويمشي هونا" يريد أنه يميد إذا خطا، ويمشي في رفق غير مختال.

                                        وقوله: "ذريع المشية" يريد أنه مع هذا الرفق سريع المشية.

                                        وقوله: "إذا مشى كأنما ينحط من صبب" الصبب: الانحدار.

                                        وقوله: "يسوق أصحابه" يريد أنه إذا مشى مع أصحابه قدمهم بين يديه ومشى وراءهم [ ص: 296 ] .

                                        وقوله: "دمثا" يعني سهلا لينا.

                                        وقوله: "ليس بالجافي ولا المهين" يريد أنه لا يجفو الناس ولا يهينهم.

                                        ويروى: "ولا المهين" فإن كانت الرواية كذلك فإنه أراد ليس بالفظ الغليظ الجافي، ولا الحقير الضعيف.

                                        وقوله: "ويعظم النعمة وإن دقت" يقول: لا يستصغر شيئا أوتيه، وإن كان صغيرا ولا يستحقره.

                                        وقوله: "لا يذم ذواقا ولا يمدحه" يريد أنه كان لا يصف الطعام بطيب ولا بفساد وإن كان فيه.

                                        وقوله: "أعرض وأشاح" يقال: أشاح إذا جد، ويقال: أشاح إذا عدل بوجهه.

                                        وهذا معنى الحرف في هذا الموضع.

                                        وقوله: "يفتر" أي يتبسم.

                                        وحب الغمام: البرد.

                                        شبه ثغره به.

                                        وقوله: "فيرد ذلك على العامة بالخاصة" , يريد: أن العامة كانت لا تصل إليه في منزله ذلك الوقت، ولكنه كان يوصل إليها حظها من ذلك الجزء بالخاصة التي تصل إليه، فيوصلها إلى العامة.

                                        وقوله: "يدخلون روادا" يريد طالبين ما عنده من النفع في دينهم ودنياهم.

                                        وقوله: "ولا يتفرقون إلا عن ذواق" الذواق: أصله: الطعم ههنا، ولكنه ضربه مثلا لما ينالون عنده من الخير.

                                        وقوله: "يخرجون من عنده أدلة" يريد بما قد علموه فيدلون الناس عليه.

                                        وقوله: "لا تؤبن فيه الحرم" أي لا تقترف فيه.

                                        [ ص: 297 ] وقوله: "لا تنثى فلتاته" أي لا يتحدث بهفوة أو زلة إن كانت في مجلسه من بعض القوم.

                                        يقال: نثوت الحديث فأنا أنثوه: إذا أذعته.

                                        والفلتات: جمع فلتة، وهو ههنا: الزلة والسقطة.

                                        وقوله: "إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير" يريد أنهم يسكنون ولا يتحركون ويغضون أبصارهم.

                                        والطير لا تسقط إلا على ساكن.

                                        قوله: "لا يقبل الثناء إلا من مكافئ" يريد أنه كان إذا ابتدئ بمدح كره ذلك، وكان إذا اصطنع معروفا فأثنى به عليه مثن وشكره قبل ثناءه.

                                        وقال أبو بكر بن الأنباري هذا غلط، لأنه لا ينفك أحد من إنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبسط الكلام فيه.

                                        وإنما المعنى: أنه لا يقبل الثناء عليه إلا من رجل يعرف حقيقة إسلامه، فيكون مكافئا بثنائه عليه ما سلف من نعمة النبي صلى الله عليه وسلم عنده وإحسانه إليه.

                                        وقال الأزهري: معناه: إلا من مقارب في مدحه غير مجاوز به حد مثله ولا مقصر به عما رفعه الله إليه.

                                        ألا تراه يقول: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله ".

                                        فإذا قيل: نبي الله ورسوله، فقد وصف بما لا يجوز أن يوصف به أحد من أمته، فهو مدح مكافئ له .

                                        [ ص: 298 ] قلت: وقد يخرج قول القتيبي صحيحا، فإنه كان يأتيه المسلم والكافر، ويثني عليه البر والفاجر، فكان لا يقبله إلا ممن كان قد اصطنع إليه معروفا على الخصوص. والله أعلم.

                                        قلت: وقد روى صبيح بن عبد الله الفرغاني - وليس بالمعروف - حديثا آخر في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وأدرج فيه تفسير بعض ألفاظه، ولم يبين قائل تفسيره فيما سمعنا، إلا أنه يوافق جملة ما روينا في الأحاديث الصحيحة، والمشهورة فرويناه، والاعتماد على ما مضى:

                                        أخبرناه أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يوسف المؤذن، قال: حدثنا محمد بن عمران النسوي، قال: حدثنا أحمد بن زهير، قال: حدثنا صبيح بن عبد الله الفرغاني، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، وهشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة : أنها قالت: " كان من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قامته أنه لم يكن بالطويل البائن، ولا المشذب الذاهب، والمشذب: الطول نفسه , إلا أنه المخفف.

                                        ولم يكن صلى الله عليه وسلم بالقصير المتردد.

                                        وكان ينسب إلى الربعة.

                                        إذا مشى وحده ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما، فإذا فارقاه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الربعة، ويقول: "نسب الخير كله إلى الربعة" .

                                        [ ص: 299 ] وكان لونه ليس بالأبيض الأمهق الشديد البياض الذي تضرب بياضه الشهبة.

                                        ولم يكن بالآدم.

                                        وكان أزهر اللون.

                                        والأزهر: الأبيض الناصع البياض، الذي لا تشوبه حمرة ولا صفرة ولا شيء من الألوان.

                                        وكان ابن عمر كثيرا ما ينشد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعت عمه أبي طالب إياه في لونه حيث يقول:


                                        وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

                                        ويقول كل من سمعه: هكذا كان صلى الله عليه وسلم.

                                        وقد نعته بعض من نعته بأنه كان مشربا حمرة.

                                        وقد صدق من نعته بذلك.

                                        ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح.

                                        فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر، فعنى ما تحت الثياب فقد أصاب.

                                        ومن نعت ما ضحا للشمس والرياح بأنه أزهر مشرب حمرة فقد أصاب.

                                        ولونه الذي لا يشك فيه الأبيض الأزهر، وإنما الحمرة من قبل الشمس والرياح.

                                        وكان عرقه في وجهه مثل اللؤلؤ، أطيب من المسك الأذفر.

                                        وكان رجل [ ص: 300 ] الشعر حسنا ليس بالسبط ولا الجعد القطط، كان إذا مشط بالمشط كأنه حبك الرمل، أو كأنه المتون التي تكون في الغدر إذا سفتها الرياح، فإذا مكث لم يرجل أخذ بعضه بعضا وتحلق حتى يكون متحلقا كالخواتم.

                                        ثم كان أول مرة قد سدل ناصيته بين عينيه، كما تسدل نواصي الخيل، ثم جاءه جبريل، عليه السلام بالفرق ففرق.

                                        كان شعره فوق حاجبيه.

                                        ومنهم من قال: كان يضرب شعره منكبيه، وأكثر ذلك إذا كان إلى شحمة أذنيه.

                                        وكان صلى الله عليه وسلم ربما جعله غدائر أربعا، يخرج الأذن اليمنى من بين غديرتين يكتنفانها، ويخرج الأذن اليسرى من بين غديرتين يكتنفانها، وتخرج الأذنان ببياضهما من بين تلك الغدائر كأنها توقد الكواكب الدرية من سواد شعره.

                                        وكان أكثر شيبه في الرأس في فودي رأسه.

                                        والفودان: حرفا الفرق.

                                        وكان أكثر شيبه في لحيته فوق الذقن.

                                        وكان شيبه كأنه خيوط الفضة يتلألأ بين ظهري سواد الشعر الذي معه , وإذا مس ذلك الشيب الصفرة وكان كثيرا ما يفعل صار كأنه خيوط الذهب يتلألأ بين ظهري سواد الشعر الذي معه.

                                        وكان أحسن الناس وجها.

                                        وأنورهم لونا.

                                        لم يصفه واصف قط بلغتنا صفته إلا شبه وجهه بالقمر ليلة البدر.

                                        ولقد كان يقول من كان يقول منهم: لربما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فنقول: هو أحسن في أعيننا من القمر أزهر اللون: نير الوجه.

                                        يتلألأ تلألؤ القمر [ ص: 301 ] .

                                        يعرف رضاه وغضبه في سروره بوجهه، كان إذا رضي أو سر فكأن وجهه المرآة، وكأنما الجدر تلاحك وجهه.

                                        وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه.

                                        قال: وكانوا يقولون: هو صلى الله عليه وسلم، كما وصفه صاحبه أبو بكر الصديق، رضي الله عنه:


                                        أمين مصطفى للخير يدعو     كضوء البدر زايله الظلام

                                        ويقولون: كذلك كان.

                                        وكان ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيرا ما ينشد قول زهير بن أبي سلمى حين يقول لهرم بن سنان:


                                        لو كنت من شيء سوى بشر     كنت المضيء لليلة البدر

                                        فيقول عمر ومن سمع ذلك: كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ولم يكن كذلك غيره.

                                        وكذلك قالت عمته عاتكة بنت عبد المطلب بعد ما سار من مكة مهاجرا فجزعت عليه بنو هاشم فانبعثت تقول:


                                        عيني جودا بالدموع السواجم     على المرتضى كالبدر من آل هاشم
                                        على المرتضى للبر والعدل والتقى     وللدين والدنيا بهيم المعالم
                                        [ ص: 302 ] على الصادق الميمون ذي الحلم والنهى     وذي الفضل والداعي لخير التراحم

                                        فشبهته بالبدر ونعتته بهذا النعت، ووقعت في النفوس لما ألقى الله تعالى منه في الصدور.

                                        ولقد نعتته وإنها لعلى دين قومها.

                                        وكان صلى الله عليه وسلم، أجلى الجبين، إذا طلع جبينه من بين الشعر أو اطلع في فلق الصبح أو عند طفل الليل أو طلع بوجهه على الناس تراءوا جبينه كأنه ضوء السراج المتوقد يتلألأ.

                                        وكانوا يقولون: هو صلى الله عليه وسلم، كما قال شاعره حسان بن ثابت:


                                        متى يبد في الداج البهيم جبينه     يلح مثل مصباح الدجى المتوقد
                                        فمن كان أو من قد يكون كأحمد     نظام لحق أو نكال لملحد؟

                                        وكان النبي صلى الله عليه وسلم واسع الجبهة، أزج الحاجبين سابغهما.

                                        والحاجبان الأزجان: هما الحاجبان المتوسطان اللذان لا تعدو شعرة منهما شعرة في النبات والاستواء من غير فرق بينهما.

                                        وكان أبلج ما بين الحاجبين حتى كأن ما بينهما الفضة المخلصة.

                                        [ ص: 303 ] بينهما عرق يدره الغضب، لا يرى ذلك العرق إلا أن يدره الغضب.

                                        والأبلج: النقي ما بين الحاجبين من الشعر.

                                        وكانت عيناه صلى الله عليه وسلم نجلاوين أدعجهما.

                                        والعين النجلاء: الواسعة الحسنة.

                                        والدعج: شدة سواد الحدقة.

                                        لا يكون الدعج في شيء إلا في سواد الحدق.

                                        وكان في عينه تمزج من حمرة.

                                        وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس من كثرتها.

                                        أقنى العرنين.

                                        والعرنين: المستوي الأنف من أوله إلى آخره، وهو الأشم.

                                        كان أفلج الأسنان أشنبها.

                                        قال: والشنب: أن تكون الأسنان متفرقة، فيها طرائق مثل تعرض المشط، إلا أنها حديدة الأطراف، وهو الأشر الذي يكون أسفل الأسنان كأنه ماء يقطر في تفتحه ذلك وطرائقه.

                                        وكان يتبسم عن مثل البرد المنحدر من متون الغمام، فإذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سناء البرق إذا تلألأ.

                                        وكان أحسن عباد الله شفتين، وألطفه ختم فم، سهل الخدين صلتهما، قال: والصلت الخد: هو الأسيل الخد، المستوي الذي لا يفوت بعض لحم بعضه بعضا.

                                        ليس بالطويل الوجه ولا بالمكلثم، كث اللحية.

                                        والكث: الكثير منابت الشعر الملتفها.

                                        وكانت عنفقته بارزة.

                                        فنيكاه حول العنفقة كأنها بياض اللؤلؤ، في أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية حتى يكون كأنه منها.

                                        والفنيكان: هما مواضع الطعام حول العنفقة من جانبيها جميعا.

                                        [ ص: 304 ] وكان أحسن عباد الله عنقا، لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر، ما ظهر من عنقه للشمس والرياح فكأنه إبريق فضة يشوب ذهبا يتلألأ في بياض الفضة وحمرة الذهب.

                                        وما غيب الثياب من عنقه ما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر.

                                        وكان عريض الصدر ممسوحه كأنه المرايا في شدتها واستوائها، لا يعدو بعض لحمه بعضا، على بياض القمر ليلة البدر.

                                        موصول ما بين لبته إلى سرته شعره منقاد كالقضيب.

                                        لم يكن في صدره ولا بطنه شعر غيره.

                                        وكان له صلى الله عليه وسلم عكن ثلاث، يغطي الإزار منها واحدة، وتظهر ثنتان.

                                        ومنهم من قال: يغطي الإزار منها ثنتين، وتظهر واحدة.

                                        تلك العكن أبيض من القباطي المطواة، وألين مسا.

                                        وكان عظيم المنكبين أشعرهما، ضخم الكراديس، والكراديس: عظام المنكبين والمرفقين والوركين والركبتين.

                                        وكان جليل الكتد قال: والكتد: مجتمع الكتفين والظهر واسع الظهر، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو مما يلي منكبه الأيمن، فيه شامة سوداء تضرب إلى الصفرة، حولها شعرات متواليات كأنهن من عرف فرس.

                                        ومنهم من قال: كانت شامة النبوة بأسفل كتفه، خضراء منحفرة في اللحم قليلا.

                                        وكان طويل مسربة الظهر.

                                        والمسربة: الفقار الذي في الظهر من أعلاه إلى أسفله.

                                        [ ص: 305 ] وكان عبل العضدين والذراعين، طويل الزندين، والزندان: العظمان اللذان في ظاهر الساعدين.

                                        وكان فعم الأوصال، ضبط القصب، شثن الكف، رحب الراحة، سائل الأطراف، كأن أصابعه قضبان فضة، كفه ألين من الخز، وكأن كفه كف عطار طيبا، مسها بطيب أو لم يمسها، يصافحه المصافح فيظل يومه يجد ريحها.

                                        ويضعها على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان من ريحها على رأسه.

                                        وكان عبل ما تحت الإزار من الفخذين والساق، شثن القدم غليظهما، ليس لها خمص.

                                        منهم من قال: كان في قدمه شيء من خمص.

                                        يطأ الأرض بجميع قدميه.

                                        معتدل الخلق.

                                        بدن في آخر زمانه، وكان بذلك البدن متماسكا.

                                        وكاد يكون على الخلق الأول لم يضره السن.

                                        وكان فخما مفخما في جسده كله، إذا التفت التفت جميعا، وإذا أدبر أدبر جميعا.

                                        وكان فيه صلى الله عليه وسلم شيء من صور.

                                        والصور: الرجل الذي كأنه يلمح الشيء ببعض وجهه.

                                        وإذا مشى فكأنما يتقلع في صخر وينحدر في صبب، يخطو تكفيا [ ص: 306 ] ويمشي الهوينا بغير عثر.

                                        والهوينا: تقارب الخطا، والمشي على الهينة يبدر القوم إذا سارع إلى خير أو مشى إليه، ويسوقهم إذا لم يسارع إلى شيء بمشية الهوينا وترفعه فيها.

                                        وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا أشبه الناس بأبي آدم عليه السلام، وكان أبي إبراهيم خليل الرحمن أشبه الناس بي خلقا وخلقا" صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع أنبياء الله.

                                        وأخبرناه عاليا القاضي أبو عمر محمد بن الحسين رحمه الله، قال: حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب، قال: حدثنا محمد بن عبدة المصيصي، من كتابه، قال: حدثنا صبيح بن عبد الله القرشي أبو محمد، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، وهشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه "لم يكن بالطويل البائن ولا المشذب الذاهب" ، قال: وساق الحديث في صفته صلى الله عليه وسلم، بهذا ".

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية