الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 430 ] باب ذكر العقبة الأولى وما جاء في بيعة من حضر الموسم من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام

                                        أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ببغداد قال: أخبرنا أبو بكر بن عتاب، قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي أويس، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة.

                                        (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني قال: حدثني جدي، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري، في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف قال: فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار فيهم: معاذ ابن عفراء، وأسعد بن زرارة، ورافع بن مالك، وذكوان، وعبادة بن الصامت، وأبو عبد الرحمن بن ثعلبة، وأبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم خبره، والذي اصطفاه الله به [ ص: 431 ] من كرامته ونبوته، وقرأ عليهم القرآن، فلما سمعوا قوله أيقنوا به واطمأنت قلوبهم إلى ما سمعوا منه، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من صفته، فصدقوه، واتبعوه وكانوا من أسباب الخير الذي سبب له صلى الله عليه وسلم ثم قالوا: قد علمت الذي بين الأوس والخزرج من الاختلاف وسفك الدماء، ونحن حراص على ما أرشدك الله به مجتهدون لك بالنصيحة، وإنا نشير عليك برأينا فامكث على رسلك باسم الله حتى نرجع إلى قومنا، فنذكر لهم شأنك، وندعوهم إلى الله ورسوله، فلعل الله عز وجل أن يصلح ذات بينهم، ويجمع لهم أمرهم، فإنا اليوم متباغضون متباعدون، وإنك إن تقدم علينا ولم نصطلح لا يكون لنا جماعة عليك، ولكنا نواعدك الموسم من العام المقبل.

                                        فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى قومهم فدعوهم سرا وأخبروهم برسول الله صلى الله عليه وسلم والذي بعثه الله به وتلوا عليهم القرآن حتى قل دار من دور الأنصار إلا قد أسلم فيها ناس، ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ ابن عفراء، ورافع بن مالك: أن ابعث إلينا رجلا من قبلك يفقهنا ويدعو الناس بكتاب الله، فإنه قمن أن يتبع.

                                        قال: فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، أخا بني عبد الدار بن قصي، فنزل في بني تيم على أسعد بن زرارة، فجعل يدعو الناس سرا، ويفشوا الإسلام، ويكثر أهله، وهم مع ذلك شديد استخفاؤهم , ثم إن أسعد بن زرارة، وهو أبو أمامة أقبل هو ومصعب بن عمير حتى أتيا بئر بني مرق، فجلسا هنالك وبعثا إلى رهط من الأنصار فأتوهما مستخفين، فبينما مصعب بن عمير يحدثهم، ويقص عليهم القرآن أخبر بهم سعد بن معاذ ويقول بعض الناس: بل أسيد بن حضير، فأتاهم في لأمته معه الرمح حتى وقف عليهم، فقال لأبي أمامة: علام تأتينا في دورنا بهذا الوحيد الغريب الطريد [ ص: 432 ] يسفه ضعفاءنا بالباطل، ويدعوهم إليه، لا أراك بعدها تسيء من جوارنا، فقاموا ورجعوا.

                                        ثم إنهم عادوا مرة أخرى لبئر بني مرق أو قريبا منها، فذكروا لسعد بن معاذ الثانية، فجاءهم فتواعدهم وعيدا دون وعيده الأول، فلما رأى أسعد بن زرارة منه لينا قال له: يا ابن خالة، استمع من قوله فإن سمعت منكرا فاردده بأهدى منه، وإن سمعته حقا فأجب إليه.

                                        فقال: ماذا تقول؟ فقرأ عليه مصعب بن عمير " حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون " فقال سعد بن معاذ: ما أسمع إلا ما أعرف، فرجع سعد بن معاذ وقد هداه الله ولم يظهر لهما إسلامه حتى رجع إلى قومه، فدعا بني عبد الأشهل إلى الإسلام، وأظهر لهم إسلامه، وقال: من شك منكم فيه فليأت بأهدى منه، فوالله لقد جاء أمر لتحزن فيه الرقاب، فأسلمت بنو عبد الأشهل عند إسلام سعد بن معاذ ودعائه - إلا من لا يذكر فكانت أول دار من دور الأنصار أسلمت بأسرها.

                                        ثم إن بني النجار أخرجوا مصعب بن عمير واشتدوا على أسعد بن زرارة، فانتقل مصعب بن عمير إلى سعد بن معاذ، فلم يزل عنده يدعو آمنا ويهدي الله على يديه حتى قل دار من دور الأنصار إلا قد أسلم أشرافها.

                                        وأسلم عمرو بن الجموح وكسرت أصنامهم، وكان المسلمون أعز أهل [ ص: 433 ] المدينة، ورجع مصعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدعى المقرئ.


                                        وقال ابن شهاب: وكان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا ذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قصة الأنصار في الخرجة الأولى وذكرها ابن إسحاق عن شيوخه أتم من ذكره، وزعم أنه لقي أولا نفرا منهم، فيهم أسعد بن زرارة، ثم انصرفوا حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم اثنا عشر رجلا من الأنصار فلقوه بالعقبة وهي العقبة الأولى فبايعوه، فيهم أسعد بن زرارة وعبادة بن الصامت، وبعث بعدهم أو معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه وعن جماعتهم، ونحن نروي بإذن الله عز وجل القصة بتمامها.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية