الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 348 ] باب حديث نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في ذلك من كفاية الله تعالى همه، وسعيه على الفقراء وابن السبيل

                                        أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي، قال: حدثنا أبو داود السجستاني، قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع.

                                        (ح) وأخبرنا أبو علي الروذباري، قال: أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي، قالا: حدثنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، قال: حدثنا أبو توبة، قال: حدثني معاوية بن سلام، عن يزيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام، قال: حدثني عبد الله الهوزني يعني أبا عامر الهوزني، قال: لقيت بلالا مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، بحلب، فقلت: يا بلال، حدثني كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم؟ [ ص: 349 ] فقال: " ما كان له شيء من ذلك إلا أنا الذي كنت ألي ذلك منه منذ بعثه الله تعالى إلى أن توفي، فكان إذا أتاه الإنسان المسلم، فرآه عاريا، يأمرني فأنطلق فأستقرض، وأشتري البردة والشيء، فأكسوه وأطعمه، حتى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال، إن عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلا مني.

                                        ففعلت، فلما كان ذات يوم توضأت، ثم قمت لأؤذن بالصلاة، فإذا المشرك في عصابة من التجار، فلما رآني، قال: يا حبشي.

                                        قال: قلت: يا لبيه.

                                        فتجهمني، وقال قولا غليظا، فقال: أتدري كم بينك وبين الشهر؟ قلت: قريب.

                                        قال: إنما بينك وبينه أربع ليال , فآخذك بالذي لي عليك، فإني لم أعطك الذي أعطيتك من كرامتك ولا من كرامة صاحبك، ولكن أعطيتك لتجلب لي عبدا فأردك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك.

                                        فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس الناس، فانطلقت، ثم أذنت بالصلاة، حتى إذا صليت العتمة، رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهله، فاستأذنت عليه , فأذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، إن المشرك الذي ذكرت لك أني كنت أتدين منه قد قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عني ولا عندي، وهو فاضحي.

                                        فأذن لي آتي بعض هؤلاء الأحياء الذين قد أسلموا حتى يرزق الله رسوله ما يقضي عني.

                                        فخرجت حتى أتيت منزلي، فجعلت سيفي وجرابي ورمحي ونعلي عند رأسي، واستقبلت بوجهي الأفق.

                                        فكلما نمت انتبهت، فإذا رأيت علي ليلا نمت حتى انشق عمود الصبح الأول، فأردت أن أنطلق، فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال، أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت حتى أتيته صلى الله عليه وسلم، فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "أبشر، فقد جاءك الله بقضائك" .

                                        فحمدت الله تعالى.

                                        وقال: " ألم تمر على الركائب المناخات الأربع؟ قال: فقلت: بلى.

                                        قال: "فإن لك [ ص: 350 ] رقابهن وما عليهن" .

                                        فإذا عليهن كسوة وطعام أهداهن له عظيم فدك "فاقبضهن إليك ثم اقض دينك" .

                                        قال: ففعلت، فحططت عنهن أحمالهن، ثم عقلتهن، ثم عمدت إلى تأذين صلاة الصبح، حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني، فناديت وقلت: من كان يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا فليحضر.

                                        فما زلت أبيع وأقضي وأعرض وأقضي، حتى لم يبق على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين في الأرض، حتى فضل عندي أوقيتان، أو أوقية ونصف، ثم انطلقت إلى المسجد، وقد ذهب عامة النهار، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاعد في المسجد وحده، فسلمت عليه، فقال لي: "ما فعل ما قبلك؟" قلت: قد قضى الله كل شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يبق شيء.

                                        فقال: "فضل شيء؟" قال: قلت: نعم، ديناران.

                                        قال: "انظر أن تريحني منهما، فلست بداخل على أحد من أهلي حتى تريحني منهما" .

                                        قال: فلم يأتنا أحد، فبات في المسجد حتى أصبح، وظل في المسجد اليوم الثاني، حتى كان في آخر النهار، جاء راكبان فانطلقت بهما، فكسوتهما وأطعمتهما , حتى إذا صلى العتمة دعاني، فقال: "ما فعل الذي قبلك؟" قلت: قد أراحك الله منه.

                                        فكبر وحمد الله شفقا من أن يدركه الموت وعنده ذلك.

                                        ثم اتبعته حتى إذا جاء أزواجه، فسلم على امرأة امرأة، حتى إذا أتى مبيته.

                                        فهذا الذي سألتني عنه.


                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية