الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 363 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو بكر: أحمد بن الحسن القاضي، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا العباس بن محمد، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني أسامة أن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، حدثه: أنه سمع أنس بن مالك، قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة - قال أسامة: وأنا أشك - على حجر فقلت لبعض أصحابه: لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: من الجوع.

                                        فذهبت إلى أبي طلحة وهو زوج أم سليم بنت ملحان فقلت: يا أبتاه، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عصب بطنه بعصابة، فسألت بعض أصحابه، فقال من الجوع.

                                        فدخل أبو طلحة على أمي، فقال: هل من شيء؟ فقالت: نعم، عندي كسر من خبز وتمرات، فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، أشبعناه، وإن جاء معه بأحد قل عنهم.

                                        فقال لي أبو طلحة: اذهب يا أنس، فقم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قام فدعه حتى يتفرق أصحابه، ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه، فقل: أبي يدعوك.

                                        ففعلت ذلك، فلما قلت: إن أبي يدعوك.

                                        قال لأصحابه: "يا هؤلاء، تعالوا" ثم أخذ بيدي فشدها، ثم أقبل بأصحابه، حتى إذا دنونا من بيتنا أرسل يدي، فدخلت وأنا حزين لكثرة من جاء به.

                                        فقلت: يا أبتاه، قد قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قلت لي، فدعا أصحابه، فقد جاءك بهم، فخرج أبو طلحة إليهم، فقال: يا رسول الله، إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك، ولم يكن عندي ما يشبع من أرى.

                                        فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخل، فإن الله عز وجل، سيبارك فيما عندك" .

                                        فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال [ ص: 364 ] : "اجمعوا ما عندكم، ثم قربوه" وجلس من معه بالسكة، فقربنا ما كان عندنا من كسر وتمر، فجعلناه على حصيرنا، فدعا فيه بالبركة، فقال: "يدخل علي ثمانية" فأدخلت عليه ثمانية، فجعل كفه فوق الطعام، فقال: "كلوا وسموا الله تعالى" فأكلوا من بين أصابعه حتى شبعوا، ثم أمرني أن أدخل عليه ثمانية، وقام الأولون، ففعلت، فدخلوا، فأكلوا حتى شبعوا، ثم أمرني فأدخلت عليه ثمانية.

                                        فما زال ذلك أمره، حتى دخل عليه ثمانون رجلا، كلهم يأكل حتى يشبع.

                                        ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة، فقال: "كلوا" .

                                        فأكلنا حتى شبعنا، ثم رفع يده، فقال: "يا أم سليم، أين هذا من طعامك حين قدمتيه؟" قالت: بأبي وأمي أنت، لولا أني رأيتهم يأكلون، لقلت: ما نقص من طعامنا شيء "
                                        رواه مسلم في الصحيح، عن ابن وهب.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية