[ ص: 23 ] 152 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : لا تدع مضر عبدا لله إلا فتنوه أو قتلوه
989 - حدثنا أبو أمية ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، عن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن عمرو بن حنظلة قال : قال حذيفة : لا تدع مضر عبدا لله مؤمنا إلا فتنوه أو قتلوه ، أو يضربهم الله عز وجل والملائكة والمؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة .
فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، تقول هذا وأنت رجل من مضر ؟ فقال : ألا أقول ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم . ؟
[ ص: 24 ]
990 - حدثنا محمد بن علي بن داود ، حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان ، حدثنا عباد بن عباد المهلبي ، حدثنا مجالد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لتضربن مضر عباد الله حتى لا يعبد الله عز وجل ، أو ليضربنهم المؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة .
[ ص: 25 ] قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث ذكر مضر بما ذكرت به فيه ، والمراد منها بذلك - والله أعلم - المذموم منهم دون من سواهم ممن لا يفعل كفعلهم ذلك الذي ذكر عنهم في هذا الحديث .
وقد روي هذا الحديث من وجه آخر بالقصد بما ذكر فيه إلى الظلمة من مضر دون من سواهم من مضر .
991 - كما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي قال : سمعت الأعمش يحدث ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن هزيل بن شرحبيل قال : أتينا حذيفة حين قتل عثمان رضي الله عنه ، فغلبنا على حجرته وبيته من ربيعة ومضر ويمن . فقال : لا تبرح ظلمة مضر بكل عبد مؤمن تفتنه وتقتله أو يضربهم الله عز وجل والمؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة . فقال له رجل : أتقول هذا وأنت من مضر ؟ فالتفت إليه فقال : ألا أقول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قال أبو جعفر : فسأل سائل عن وجه عموم مضر مما عمت به فيما رويناه من هذه الآثار .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن ذلك الكلام ، وإن كان مطلقا في مضر - لم يرد منها إلا من كان منه السبب الذي من أجله قيل ذلك القول دون من سواه منها .
والعرب تفعل ذلك في الأشياء الواسعة ، تقصد ذكر ما كان من بعض أهلها إلى جملة أهلها . [ ص: 26 ] وإنما تريد من كان منه ذلك الشيء من أهلها دون من سواه ممن لم يكن منه الشيء ، ومنه قول الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وكذب به قومك وهو الحق لم يرد بذلك إلا من كذب به من قومه دون من سواه منهم .
ومن ذلك ما كان من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قنوته في صلاة الفجر : واشدد اللهم وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف - صلى الله عليه وسلم - !
وقد ذكرنا ذلك بأسانيد فيما تقدم من كتابنا هذا ، ولم يرد بذلك كل مضر . وكيف يكون يريد بذلك كل مضر وهو - صلى الله عليه وسلم - من مضر ؟ ومن خلفه في صلاته تلك خيارهم من مضر ؟ وإنما أراد بذلك من مضر من هو على خلاف ما هو عليه وعلى خلاف من هو في صلاته تلك منهم عليه .
فمثل ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا تدع مضر عبدا لله مؤمنا إلا فتنوه ، هو على هذا المعنى والمراد به منها من يفعل ذلك الفعل منها لا من سواه منها ، والله نسأله التوفيق .


